إينال الصصلانى واستقر به نائب حلب واخلع على الأمير سودون من عبد الرحمن واستقر به نائب طرابلس وأخلع على الأمير بابى بك البجاسى واستقر به نائب حماة، ومهد البلاد الشامية وقصد التوجه إلى نحو الديار المصرية ورجع إلى مصر وهو فى غاية النصر، فلم تمض عليه سنة حتى جاءت الأخبار بأن النواب المذكورين عصوا أجمعين فخرج إليهم بنفسه ثانيا وتحارب معهم، فقبض على إينال الصصلانى نائب حلب وعلى قانباى المحمدى نائب دمشق وقطع رأسيهما وهرب من بقى من النواب إلى عند قرايوسف أمير التركمان.
ثم إن الملك المؤيد استقر بجماعة أمراء نواب البلاد الشامية والحلبية، ومهد البلاد ورجع إلى الديار المصرية ولم يمض دون السنة من هذه العجيبة حتى جاءت الأخبار بأن النواب عصوا أجمعين فخرج إليهم بنفسه ثالثا وقتل منهم جماعة كثيرة، ومهد البلاد ورجع نحو الديار المصرية وبقى له بعد ذلك الوقت وعاش فى أرغد عيش، وكان لا يبرح القلعة إلا قليلا بل غالب أيامه كان فى بولاق عند القاضى ناصر الدين بن البارزى كاتب السر وكان يعمل الموكب هناك فى البارزية التى فى بولاق. وكان إذا أوفى النيل توجه إلى المقياس ويخلعه وينزل إلى الذهبية ويكسر السد كما كان يفعل أستاذه الملك الظاهر برقوق. وكان فى يوم الوفاء يأمر كل أمير مقدم ألف بأن يزين حراقه بالسناجق والسلاح والكوسات، وكان له كل موكب فى يوم الوفاء لم يسمع بمثله. وكان فى بعض الأوقات يعوم فى البحر فى بولاق مع أخصائه ويقول "فلكم القيم صلوا" وكان يميل إلى اللهو والطرب ويقرب أرباب الآلات والمعانى، وكانت أرباب القبول تلتهى عنده فتوسم لجودة فهمه وحسن معرفته بالنسبة إلى غيره من أبناء جنسه وكان ينظم الشعر ويركز الفن وإلى الآن أقواله دائرة بين المعانى ويقولون هذا من نظم الملك المؤيد شيخ، ومما يحضرنى من نظمه وهو قوله من أبيات نظمه.
قتلتنا سوالف وخدود … وعيون بواعس وقدود
أسرتنا الظبا وهن بقانين … وخضعنا بها ونحن الأسود
إلى أن نصل إلى الاستشهاد باسمه يقول فى ذلك.
وأنا الخاصكى وشيخ المؤيد … نظم شعرى جواهر وعقود
وكان معظما للشريعة محبا للعلماء والفقهاء، ثم إنه شرع فى إنشاء الجامع المؤيدى الذى هو داخل باب زويلة وكان بناؤه فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وكان هذا المكان قديما