العساكر بمصر ومدبر أمر المملكة، فاتفقا على ذلك وكان القائم فى سلطنته الخليفة الأمير نوروز الحافظى، فرضى كل منهما بذلك وطلبا الخليفة ليسلطنوه فامتنع من ذلك غاية الامتناع فلا زالا عليه حتى سلطنوه على كره منه، بعد أن شرط عليهم شروطا منها أنه إذا خلع من السلطنة يكون خليفة كما كان، فأجاباه إلى ذلك وأحضرا له خلعة السلطنة فلبسها وبأس الأمراء الأرض، واستقر الأمير نوروز نائب الشام، واستقر الأمير شيخ المحمودى أتابك العساكر ونظام المملكة، واتفقوا على أن نوروز نائب الشام يحكم من الشام إلى الفرات، ومن غزة إلى مصر يكون تحت حكم الخليفة وشيخ ووقع الأخبار على ذلك.
فلما تسلطن العباس وتم أمره فى السلطنة قصد التوجه إلى الديار المصرية فخرج من الشام فى عظمة زائدة وكلمة نافذة وأطاعه سائر الأمراء والعسكر، فدخل إلى القاهرة وصحبته الأتابكى فطلع الخليفة إلى القلعة وسكن بها كعادة السلاطين وسكن الأتابكى شيخ باب السلسلة فكاتب الأمراء إذا فرغوا من خدمة القصر نزلوا إلى باب السلسلة وأعطوا الأتابكى شيخ الخدمة، ويقع بين يده الابرام والنقض والحل والعقد، وكان الأتابكى شيخ لا يمكن للخليفة من كتب العلامة على المراسيم والمياسير والمربعات إلا بعد عرضها عليه. واستمر الأمر على ذلك مدة إلى أن بدا للأتابكى شيخ أن يخلع الخليفة العباسى ويتسلطن هو، فجمع القضاة الأربعة وكتب محضرا بأن الفساد قد كثر فى البر والبحر وزاد شر العربان فى البلاد، وخرجوا على الطاعة وصاروا ينهبون المغل من البلاد، وأن الوقت محتاج إلى إقامة سلطان تركى ليدفع الفساد وأن الأتابكى شيخ كفء لذلك، وشهد جماعة من الأعيان بذلك وكتبوا خطوطهم، فعند ذلك خلعوا الخليفة العباس من السلطنة من غير أن يوافق الخليفة على خلع نفسه، فلا زال شيخ يضيق عليه حتى خلع نفسه من السلطنة غصبا، واستمر بعد خلعه من السلطنة فى الخلافة وهو بالقلعة محبوسا بها إلى أن خلعه شيخ من الخلافة أيضا.
وولى أخاه داوود ولقب بالمعتضد بالله وذلك فى سنة ستة عشرة وثمانمائة فى سادس ذى الحجة، وكان العباس عهد بالخلافة إلى ولده يحيى فلم يمض له شيخ ذلك وولى أخاه داوود وأرسل العباس الذى تسلطن إلى السجن بثغر الإسكندرية فأقام بها إلى أن مات فى دولة الأشرف برسباى فأخرجه من السجن وأسكنه فى بيت من بيوت الإسكندرية ودام