أرغون العلائى ومقدم المماليك جوهر السحرتى وبعض مماليك، ووقف ساعة فلم يطلع إليه أحد غيرهم. فلما علم أن ما بقى من الأمراء يجئ إليه أحد، تقدم إلى عند قبة الهوى التى عند دار الضيافة فوجد الأمراء واتقق معهم فحمل عليه الأمير أرغون شاة بقية الأمراء وضربوا عليه برك وأحاطوا به، فحطم الأمير يلبغا اروس وضرب الأمير أرغون العلائى زوج أم السلطان على وجهه بطبر فسقط إلى الأرض. فانفض من كان حول السلطان من العسكر وعسر وهرب فى أربعة من المماليك وطلع إلى القلعة وأراد أن يدخل من باب السلسلة وهو سابق، فوجد الباب مقفولا فصار يسأل بعض المماليك أن يفتح له الباب فأبوا من ذلك، فنزل إليه بعض المماليك الصغار وفتح له الباب، فطلع إلى القلعة وأراد أن يقتل أخويه، فلم يفتح له الخدام باب الحوش فرجع وهو ماشى فاختفى فى بيت أمه، هذا ما كان من أمر السلطان الملك الكامل شعبان بعد أن أسر عند قبة الهوى. وأما ما كان من أمر الأمراء ملكتمر الحجازى وبقية الأمراء فإنهم لما مسكوا الأمير أرغون العلائى زوج أم السلطان والأمير أسندمر الكاملى وجوهر السحرتى مقدم المماليك وكل من كان مع الملك الكامل وطلعوا إلى القلعة وهم راكبون خيولهم إلى وسط الحوش السلطانى إلى أن وصلوا إلى باب الستارة للخدام ابن أستاذنا حاجى فقالوا لهم: محبوس هو وأخوه حسين فى الدهيشة، فدخلوا إلى الدهيشة واخرجوا حاجى وحسين وباسوا الأرض لحاجى وقالوا له:
أنت سلطاننا، ثم إنهم تطلبوا الملك الكامل فلم يجدوه فهجموا بيت أمه، وكان بيت أمه فوق القلعة فلم يجدوا فيه أحدا فمسكوا الجوارى وقصدوا توسيطهم وكان المتولى أمر ذلك للأمير أرغون شاه والأمير ملكتمر الحجازى، فلما وأوهما الجوارى بالتوسيط قروا أنه فى بيت الأزياء فهجموا عليه فوجدوه واقفا بين الأزياء وقد ابتلت أثوابه تماما فأخذوه وهو ممسوك بينهم ومضوا به إلى الدهيشة فسجن، فى المكان الذى كان أعده لأخويه.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدى فى تاريخه: حكى لى الأمير أسنبغا دوادار الصحابة قال: هيانا السماط على جارى العادة على أن الملك الكامل يأكل منه ثم أفردنا من الأكل شيئا لسيدى حاجى وسيدى حسين، اللذين كانا فى السجن بالدهيشة، فخرج سيدى حاجى وجلس على السماط وأكل منه، ثم دخلنا بالطعام الذى كنا أفردناه لسيدى حاجى وسيدى حسين، فأكل منه الملك الكامل شعبان وهو فى السجن بالدهيشة، فى المكان الذى كان فيه أخواه "وهذا من الغرائب والعجائب، فسبحان القادر على كل شئ، كما قيل فى المعنى.