للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها: أظهر السلطان العزم إلى سفر الحجاز وخرج من مصر فى الخامس والعشرين من شهر رمضان وخرج ومعه جماعة من الأمراء المقدمين والعشراوات وغيرهم، وسار إلى أن وصل إلى الصالحية فعيد بها عيد الفطر، ورحل عنها إلى الكرك فدخل إليها فى عاشر شوال. وكان الملك الناصر محمد قرر مع الأمراء أنه يخرج قبل خروج الحاج إلى الشوبك ويتصيد هناك وكان عياله يخرجون مع الركب المصرى وهو يلاقيهم من العقبة.

فلما خرج الحاج ووصلوا إلى العقبة أرسل السلطان أخذ عياله من العقبة وأظهر ما كان عنده كامن فى خاطره وكتب إلى الأمراء الذين بالقاهرة مراسيم مضمونها أن السلطان رغب عن الملك وأختار الإقامة بالكرك وصرح بخلع نفسه من الملك، وأذن للأمراء فى إقامة من يصلح للملك واعاد الخزائن والأطلاب التى كانت معه وصحبة الأمراء الذين كانوا معه والمماليك السلطانية. وكان سبب غضب السلطان وتوجهه إلى الكرك أنه صار مع سلار النائب والاتابكى بيبرس الجاشنكير فى ضيق وحجر لا يتصرف فى شئ من أمور المملكة إلا برأيهما، قيل إنه طلب يوما خروفا بدرى رميس فمنع منه، وقيل له حتى يجئ كريم الدين كاتب بيبرس، فغضب من ذلك وتوجه إلى الكرك وأرسل أخذ عياله من العقبة وخلع نفسه من الملك وأختار الإقامة بالكرك.

فلما جاءت هذه الأخبار إلى القاهرة وأشيع ذلك بين الناس فركب الأمراء جميعا وطلعوا إلى سوق الخيل وقروا عليهم مراسيم السلطان بما ذكر فيها من خلع نفسه وأنه رغب عن المملكة وأختار الإقامة بالكرك فعند ذلك اشتور الأمراء وقالوا إن راجعناه فى عوده يخشى من فساد العربان فى البلاد ثم اشتوروا فيمن يولونه سلطانا وكان الأمر بين سلار النائب والأتابكى بيبرس الجاشنكير ثم وقع الاختيار على سلطنة الأتابكى بيبرس الجاشنكير، وعلى أن يكون سلار نائبا على عادته فحلف الأمراء على ذلك ثم أحضروا خلعة السلطنة والفرس والقبة والطير فركب الأتابكى بيبرس الجاشنكير من دار النيابة إلى الأيوان الأشرفى. فكانت مدة سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون وهى السلطنة الثانية عشر سنين وأشهر.

<<  <   >  >>