للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما كان من أمر الملك كتبغا العادل فأنه رجع إلى دمشق، وأقام بها ثلاثة عشر يوما وهو مقيم بقلعة دمشق. فلما بلغ أهل دمشق لاجين قد تسلطن بمصر انحل أمر كتبغا وأذعن بالطاعة، وقال خشداشينى وأنا فى طاعته فلما كان يوم الخميس ثامن ربيع الأول من السنة. وصل الأمير لاجين استادار العالية ومعه مراسيم سلطانية إلى أهل دمشق فاجتمعوا بدار السعادة وحضر القضاة وقروا عليهم مرسوم السلطان الملك لاجين، ثم دخل قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة قاضى قضاة الشام ومعه الأمير لاجين الاستادار إلى عند السلطان كتبغا وتكلموا معه بأن يخلع نفسه من السلطنة، ويكون تحت طاعة الملك المنصور لاجين ثم بعد عدة أيام وصل الأمير قفجق المنصورى وقد استقر نائب دمشق.

فلما وصل نزل بدار السعادة، فأرسل كتبغا يطلب من نائب الشام قفجق المذكور بأن يعطيه نيابة صرخد، ورتب له ما يكفيه فاجيب إلى ذلك، ثم إن كتبغا توجه إلى نحو صرخد وصحبته مماليكه وهو فى غاية العز والعظمة. فكانت مدة سلطنة العادل كتبغا بمصر إلى أن خلع نحو سنتين إلا شهرين. وأقام بصرخد إلى سنة تسع وتسعين وستمائة.

فلما عاد إلى السلطنة محمد بن قلاوون وهى السلطنة الثانية أنعم على كتبغا نيابة حماة لأنه كان من مماليك أبيه قلاوون. وكان الناصر محمد يميل إلى كتبغا دون مماليك أبيه، فأقام كتبغا فى حماة إلى أن مات فى يوم عيد النحر سنة اثنتين وسبعمائة، ودفن فى حماة ثم نقل منها بعد مدة إلى دمشق ودفن بتربة بسفح جبل قاسيون، ومات له من العمر نحو ستين سنة.

وكان كتبغا رجلا أسمر اللون، قصير القامة، أجرود اللحية، وكان موصوفا بالشجاعة، وكان دينا خيرا سليم الباطن. ومن سلامة باطنه وتغفله الذى جعل لاجين نائب السلطنة بمصر حتى جرى منه فى حقه ما جرى وخلعه من السلطنة وتولى عوضه، فكانت كما قيل فى المعنى.

والخل كالماء تبدى لى ضمائره … مع الصفاء ويخفيها مع الكدر

<<  <   >  >>