ثم إن الأمير طرنطاى أرسل عرّف ولده الأشرف خليل وأرسل الخزائن والأطلاب التى كانت مع السلطان قلاوون بسبب السفر إلى فتح مدينة عكا.
وأرسل يشير على الملك الأشرف خليل أنه يقيم بالقلعة ولا ينزل إلى المدينة ووكل به مقدم المماليك. ثم إن الأمير طرنطاى حمل السلطان قلاوون فى محفة وهو ميت وطلع به إلى القلعة وغسله وكفنه ونزل به فى تابوت بعد العشاء والأمراء وأعيان الناس من القضاة وغيرهم مشاة قدامه يتباكون إلى أن وصلوا به إلى القبة التى أنشأها بين القصرين فدفن هناك.
وكانت مدة توعكه تسعة عشر يوما وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وستة أيام كما قيل.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوما على آله حدباء محمول
ولما مات خلف من الأولاد ثلاثة ذكور وهم: الأشرف خليل والناصر محمد والأمير أحمد ولد بعد وفاته.
وكان المنصور قلاوون حسن الشكل، معتدل القامة، درى اللون، قليل الكلام بالعربى، فصيحا بالتركى، شجاعا بطلا مقداما، محبا لجمع المال، مغرما بمشترى المماليك، حتى قيل تكامل عنده من المماليك اثنى عشر ألف مملوك، وقيل سبعة آلاف مملوك، ومما يدل على علو همته وحسن اعتقاده، وهو عمارته للبيمارستان الذى بين القصرين، وهو من حسنات الزمان يحتاج إليه الملوك ويفتقر إليه الغنى والصعلوك، ولا يعلم فى الإسلام وقف على وجه بر أعظم منه ولا أكثر معروفا منه، ولا أحسن شرطا منه، وقد كفاه ذلك فى الدنيا والأخرة، وهو الذى غير تلك الملابس الشنيعة التى كانت تلبس فى الدول القديمة. قيل كانت كلوتاتهم صفر مضربة عريض بغير شاش وشعورهم مظفورة وهى خلفهم فى كيس حرير أحمر وأصفر وكانوا يشدون فى أوساطهم بنود بعلبكى مصنوعة عوضا عن الحوايص وكانت أكمام أقبتهم ضيقة على زى ملابس الفرنج وكانت أخفافهم برغالى ويلبسون فوقها سقمان ويشدون من فوق قماشهم أبزيم جلد بحلق. وكانت لهم صوالق برغالى كبار يسمع كل واحد منها نصف ويبة قمح، وكانت لهم مناديل خام قدر الفوطة لمسح أيديهم، فغير السلطان قلاوون ذلك جميعه وجدد له مماليك ما بين جراكسة