هاك قل لى إذا منعنا الراح … وحرمنا من الوجوه الصباح
بيش نبقا نستجلب الأفراح … والخليع كيف نراه يعيش، مسكين
على موت العنب بكا الراووق … والشمع صار بعبرتو مخنوق
والوتربات من الغروب للشروق … من أنينو تسمع لو فى الليل حنين
وقال الشيخ شمس الدين بن دانيال الحكيم: لما قدمت من الموصل إلى الديار المصرية فى الدولة الظاهرية سقى الله عهدها. وأعذب مشارب وردها، فوجدت تلك الرسوم دارسة، ومواطن الأنس بها آنسة، وأرباب الخمور والحشيش عابسة. وقد هزم أمر السلطان جيش الشيطان، وتولى الحرانى والى القاهرة وإهراق الخمور واحراق الحشيش وتبديد المزور، واستتوب العلوق واللواطى، وحجر البغايات والخواجى، وقد أذى الخلفاء غاية الأذية، وصلب ابن الكازرونى وفى عنقه نباذية، ثم شاعت الأخبار ووقع الإنكار، وأقيمت الحدود، وعطلت البدود وسجن الخمار والمزار واتاوى المسطول فى الدار، فخطر بخاطرى أن انظم هذه الواقعة فى قصيدة واجعلها فى أسلوبها فريدة وهى هذه:
مات يا قوم شيخنا إبليس … وخلا منه ربعه المأنوس
ونعانى حدسى به إذ توفى … ولعمرى مماته محدوس
هو لو لم يكن كما قلت ميتا … لم يغير لأمره ناموس
أين عيناه تنظر الحمرة إذ … عطل منها الراووق والمحريس
ومواعينها تكسر والخمار … من بعد كسرها محبوس
أين عيناه والحشائش تحرقن … بنار تراع منها المجوس (١)
قلعوه من البساتين إذاك … صغارا خضراء وهى غروس
والحرافيش حولها يتباكون … وهذا يطفى لهذا الوطيس
أين عيناه تنظر المزروقد … أوحش منه الماجور والقاروس
وعجين البقول قد بددوه … وهو بالترب خلطة مبسوس
وذوو القصف ذاهلون وقد … كادت على سيلها تسيل النفوس
(١) وردت الأبيات فى بدائع الزهور.