وكان فى أيام الملك المنصور على هذا قدوم هولاكو ملك التتار إلى مدينة بغداد وقتله للخليفة المستعصم بالله، وكان قصد هولاكو أن يزحف على بلاد حلب والشام ومصر. فلما بلغ الأمراء الذين يأتون مصر هذه الأخبار فعقد الأمير قطز مجلسا وجمع فيه القضاة والأمراء وأعيان الدولة بسبب قتال هولاكو ورفعه عن البلاد، وكان المشار إليه فى ذلك المجلس عز الدين بن عبد السلام من كبار الشافعية، فقال: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتاله، وجاز للسلطان أن يأخذ من الرعية ما يستعان به على تجهيز العسكر، بشرط ألا يبقى فى بيت المال شئ من المال والسلاح والقماش، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتشاوروا فى ذلك أنتم والعامة سوى بحيث لا يبقى مع الجند شئ.
وأما أخذ أموال الرعية مع بقايا فى أيدى الجند من المال فلا يجوز، فعند ذلك اجتمع رأى القضاة والأمراء على خلع الملك المنصور على بن المعز أيبك لصغر سنه وعدم دفعه للعدو، واتحدوا هلاكو. فخلعوه من السلطنة وسلطنوا قطز بعده وقيل عوضه.
فكانت مدة سلطنة الملك المنصور على بن المعز أيبك بالديار المصرية نحو سنتين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما ثم أرسلوه إلى السجن بثغر دمياط وأمه معه، فأقام بها إلى أن مات بعد مدة طويلة.
ومن الحوادث فى أيامه قد ظهر بالمدينة الشريفة نار كانت تختفى بالنهار وتظهر بالليل يراها الناس من مسافة بعيدة ويظهر لها دخان عظيم، فأقامت على ذلك نحو أربعين يوما ثم خفيت بعد ذلك. وقد قال بعضهم فى ذلك.
بحر من النار تجرى فوقه سفن … من الهضاب لها فى الأرض إرساء
منها تكانف فى الجو الدخان إلى … أن عادت الشمس منه وهى دهماء
يرمى لها شررا كالقصر طائشة … كأنها ديمة تنصب هطلاء
فيا لها معجزات عن رسو … ل الله قد ظهرت والناس أحياء