يجلس بها أصحاب الجرائم، وكان الملك المؤيد شيخ من جملة من حبس بها، وكان شيخ لما حبس بها من جملة مماليك السلطان برقوق فقاسى بها مشقة وشدائد عظيمة فنذر أن أعطاه الله تعالى ملك مصر لهدم خزانة شمائل ويجعل مكانها جامعا، فكان الأمر كذلك.
قيل: لما سلم الفرنج مدينة دمياط، دخل الملك الكامل فى موكب عظيم، وأرسل البشاير إلى سائر الآفاق بأخذ مدينة دمياط من أيدى الفرنج، وكانوا قد أشرفوا على أخذ الديار المصرية من أيدى المسلمين. وكانت مدة نزول الفرنج على مدينة دمياط إلى أن رحلوا عنها ثلاث سنين وأربعة أشهر وتسعة عشر يوما، منها مدة إستلائهم عليها سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرون يوما.
وقيل: لما انتصر الملك الكامل على الفرنح هذه النصرة العظيمة نزل بقصره الذى أنشأه بالمنصورة وحضر عنده أخواه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق والملك الأشرف موسى شاه أرمن صاحب ماردين، وكانا قد حضرا نجدة لأخيهما الملك الكامل محمد، لما بلغهما أن الفرنج ملكوا دمياط، فلما حصلت هذه النصرة أراد الملك الكامل أن ينبسط هو وأخواه، وأحضروا سفرة الشراب كما قيل:
فيوم علينا، ويوم لنا … ويوم نساء، ويوم نسر
فلما شربوا وطاب المجلس أحضر الملك الأشرف موسى جارية تضرب بالعود، فلما أخذت العود أصلحته وغنت عليه هذه الأبيات:
ولما طغى فرعون عكا بسحره … وجاء ليسعى بالفساد إلى الأرض
أتى نحوه موسى وفى يده العصا … فأغرقهم فى اليم بعضا على بعض
فطرب الملك الأشرف موسى لذلك فشق على أخيه الملك الكامل محمد صاحب مصر فأحضر جارية من عنده تضرب بالعود أيضا، فأخذت العود وأصلحته وغنت عليه هذه الأبيات:
أيا أهل دين الكفر بالله فأعجبوا … لما قد جرى فى عصرنا وتجددا
ألا إن موسى قد أتانا وقومه … وعيسى جميعا ينصرون محمدا