للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربي وجلبها إلى الأندلس؛ وذلك لأنهم يعتبرون اللغة وعلومها مفتاحًا لمعرفة أسرار كتاب الله تعالى.

وقد عنوا عناية كبيرة بالنحو خاصة، وحرصوا على الإجادة فيه وحفظ مذاهبه، وكان العالم به يعتبر في أعلى الطبقات، "وكل عالم في أي علم لا يكون متمكنًا من علم النحو بحيث لا تخفى عليه الدقائق فليس عندهم بمستحق للتمييز ولا سالم من الازدراء" (١).

وانتشرت الخزانات العلمية، وكَثُر اقتناء الكتب وانتساخها، سواء في خزانات الدولة أو الخزانات خاصة. وقد ارتفع النشاط التعليمي والتدريسي المعتمد على الرواية والتلقين والحفظ الذي دعمه وجود الكتاب المشرقي، وكذا تحفيز الأندلسيين على التأليف.

كما لم يخل المجال الفكري من علوم عملية مما كثرت إليه الحاجة في تسيير دواليب الدولة بما فيها علوم الهندسة والطب وصناعة الدواء، وقد رأينا بلاء المهندسين المعماريين في بناء المدن، والمهندسين في بناء القطع والسفن الحربية، والصناع الذين عملوا على توفير السلاح للجنود والعساكر، وكذلك الأطباء والصيادلة، وقد رأينا كيف نالوا القرب من الخلفاء ومنهم: ابن زهر وابن طفيل.

ونبغ علماء في فروع كثيرة من العلوم كعبد الملك بن زهر الإشبيلي (ت ٥٦٤ هـ) الذي نبغ في الطب، وابن البيطار المالقي (ت ٦٤٦ هـ) الذي نبغ في التاريخ الطبيعي، وابن جبير (ت ٦١٤ هـ) الذي نبغ في التاريخ، وابن طفيل وابن رشد اللذان نبغا في الفلسفة، وغيرهم كثير.

وكانت ثقافة هؤلاء العلماء وغيرهم من أبناء عصرهم ثقافة موسوعية، فقد نجد منهم من اجتمع لديه أكثر من علم؛ فهذا ابن زهر الذي عرف بالطب نجده مهندسًا قد وُكّل إليه الإشراف على بناء جامع إشبيلية (٢).


(١) المغرب: ٢/ ١٢٩؛ نفح الطيب: ٦/ ٣٥؛ تاريخ الفكر الأندلسي: ١٨٦.
(٢) المن: ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>