للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخيرات، ودامت الإقامة في الجبل مدة خمسة عشر يومًا في مسرة خاصة ومبرة مشتملة" (١).

وكانت الدولة تغدق على الأدباء والشعراء والمؤرخين من أموالها، وتخصص لهم من الهبات الجزلة ما يذكي حماسهم، ويقوّي نشاطهم، ويحفزهم على الزيادة من إبداعهم. وقد زاد في ارتقاء مكانتهم في المجتمع تقريب الخلفاء لهم، ومشاركتهم في النقد والتوجيه: "وأذن للشعراء في الإنشاد بذلك المجلس العالي الشريف العماد. . . ولما أنشد المنشد هذه القصيدة بين يدي أمير المؤمنين أنكر أمير المؤمنين هذا البدء في قول الشاعر: "غمض عن الشمس"، وقال له على مسمع من الناس: غمض غمض! منكرًا لها؛ لأنه كان يحب الفأل الحسن، لكنه أمر له بعشرة دنانير كما أمر لكل شاعر، وأمر بعشرين مثقالًا لكل من وفد إليه من قاصد لرؤيته أو زائر" (٢).

وقد حفلت هذه الفترة بجانب مهم من الأدب المنثور، وهو قمة مواقف العقيدة المهدوية من الشعر المتين، وأكثره من الشعر الرسمي الذي يوافق أغراض المدح والشعر السياسي وإن كان فيه قليل من التغزل والتشوق والهجاء، وقد تجنّب في كثير منه البدء بالتشبيب؛ وذلك تماشيًا مع عقيدة الموحدين الدينية، وقد أتى متأثرًا بالأسلوب والوزن المعروفين على عهد أبي تمام والمتنبي فجلّه من بحر الكامل والطويل والبسيط. كما نظم أيضًا على أوزان قصيرة من بحر الوافر المتقارب والخفيف. وكَثُرَ الارتجال والإجازة الشعرية حتى أن الأمراء كانوا أنفسهم ممن يرتجل الشعر ويجيز الشعراء (٣).

وقد كَثُر النظم في المسائل اللغوية بما عرف بالشعر التعليمي تسهيلًا على الطلاب، إذ كان النظم أكثر ضبطًا وأيسر حفظًا.

وأما اللغة العربية وعلومها فعرفت ازدهارًا كبيرًا، واعتني بكتب الأدب


(١) المن بالإمامة: ١٨٢.
(٢) نفسه: ١٠٢.
(٣) نفح الطيب: ١/ ١٧٦؛ المطرب: ٢٠٠؛ المغرب: ١/ ٩٨ - ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>