للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب إقامة الهجاء (١)

ع: الْهِجَاءُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ: مَقْصُورٌ، وَمَمْدُودٌ، وَمَنْقُوصٌ، وَمَهْمُونٌ، وَزِيَادَةٌ مَخَافَة لَبْسِ، وَنُقْصَانٌ لِلتَّخْفِيفِ.

فَمِنَ النُّقْصَانِ قَوْلُهُمْ: لَمْ يَكُ (٢) أَجْرَوْهَا مَجْرَى لَمْ يَدْعُ وَلَمْ يَغْزُ وَإِنْ كَانَتِ النُّونُ لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ دَوْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْكَلَامِ وَاسْتُعْمِلَتْ فِيهِ اسْتِعْمَالًا مُتَوَالِيًا شَبَّهوا نُونَهَا بِحُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْحُرُوفِ إِلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَحْذِفُونَهَا فِي الْجَزْمِ وَالنَّصْبِ فِي "يَفْعَلَانِ وَيَفْعَلُونَ" كَمَا يَحْذِفُونَ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ كَإِبْدَالِهِمْ مِنْهَا الْأَلِفَ فِي الْوَقْفِ، فِي "اُضْرِبَانِ زَيْدًا" فَتَقُولُ: اُضْرِبَا، وَقَالُوا فِي مُنْذُ: مُذْ، وَفِي لَدُنِ: لَدُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَمْ أَبَلْ، وَهُمْ يُرِيدُونَ: لَمْ أُبَالِ (٣)، فَإِنَّهُمْ لَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ لِلْجَزْم فَصَارَ لَمْ أُبَالِ، وَكَثُرَتْ فِي الْكَلَام لَمْ يَعْتَدُّوا بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ الذِي هُوَ الْيَاءُ فَحَذَفُوا الْحَرَكَةَ لِلْجَزْم فَالْتَقَتِ اللَّامُ مِنْ أُبَالِ سَاكِنَةً مَعَ الْأَلِفِ فَحَذَفُوا الْأَلِف لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، هَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: "وَسَأَلْتُ الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِمْ: "لَمْ أُبَلْ فَقَالَ: هِيَ مِنْ "بَالَيْتُ"، وَلَكِنَّهُمْ أَسْكَنُوا اللَّامَ وَحَذَفُوا الْأَلِف لَيْلًا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْجَزْمِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَذْفٍ، فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ بَعْدَ اللَّامِ صَارَتْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ النُّونِ مِنْ "يَكُنْ"، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِهَاذَيْنِ حَيْثُ كَثُرَا فِي كَلَامِهِمْ، إِذْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ حَذْفُ النُّونِ وَالْحَرَكَاتِ،


(١) هو أول باب من كتاب "تقويم اليد" أدب الكتاب: ٢١٣، ولم يثبته الجذامي.
(٢) أدب الكتاب: ٢١٤.
(٣) نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>