إن المعرفة الحقيقية للمكانة التي يحتلها الشرح الذي بين أيدينا باعتبار أهميته وامتيازه لا يمكن أن تتضح إلا بتتبُّع الشرح بأكمله، والاطلاع على ما استوعبه الشارح خلاله، ووظفه من كتب ومصادر وتبين المواضع التي تكشف عن هذا الامتياز سواء تعلق الأمر بثقافة الجذامي الواسعة أو بخصائص شرحه وانتقاداته وتدخلاته الشخصية التي تسمو به إلى مرتبة الجودة والإتقان.
فعلى الرغم مما قد يبدو على منهج الشرح من أنه لا يعدو جمعًا للمادة من مصادر مختلفة كما يدل على ذلك عنوان الشرح، إلا أنه لم ينف بروز شخصية الجذامي في التدخل المباشر أو غير المباشر بالتصرف أو ترتيب المواد بالتقديم والتأخير أو الإضافة أو التعليق أو التصديق، وهي مهمة صعبة وخاصة في مجال الشرح، فوفرة المادة العلمية قد تربك الناقل، مما قد يؤثر على الشرح سلبًا، إلا أن هذا لم يعترض الجذامي، إذ أنه يأخذ بحكمة كل ما يغني شرحه، ويقصد إلى المفيد منه.
وقد لاحظنا من خلال الشرح أنه يتمتع بقدر وافر من الأخلاق العلمية كالضبط والتوثيق مما كان ييسر هذه المهمة، وذلك لأنه يرد النقول إلى أصحابها، ويبين المصدر الذي أخذ منه، ويبين ما أضاف إليها، ويرسم لنفسه خطًا واضحًا للتدخل والمناقشة والتعليق دون خلخلة النظام العام للشرح.
ولقد طلع علينا بشخصية المحقق الفذّ، فهو أولًا يشير إلى نسخ الكتاب المشروح وجميع رواياته وهي مما انفرد به عن سائر شرّاح "أدب الكتاب". ولا يكتفي بإيراد الشاهد، بل يحيل إلى مصدره وصاحبه، وربما نقل ذلك حرفيًا. ولم يكن الجذامي ليكتفي بمجرد عرض التفسيرات والأقوال، ولم يكن همه مجرد النقل من الكتب أو من محصوله الثقافي ليؤلف شرحًا كيفما