إن قارئ كتاب "الانتخاب في شرح أدب الكُتَّاب"، وهو يمر بنقول كثيرة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصوص شعرية وأمثال وأخبار وغيرها يكاد يخرج بصدر يضيق ونفس تضجر، ويخشى عدم العثور على خطوط واضحة تبرز شخصية الجذامي في شرحه، غير أن تتبّعنا لأبواب الشرح ودراستها أتاح لنا الكشف عن شخصية رجل فذّ، عميق الاطلاع، غزير الحفظ واسع الرواية، كثير الاستشهاد.
وقد مكّننا هذا الشرح القيّم من الإطلالة على الحياة الأدبية الأندلسية في أزهى مراحلها، إذ نحن نفتقد الكثير من التراث الأندلسي مما ضاع خلال المحن الكثيرة التي تعرض لها الفردوس المفقود، فضلًا على أن المنشور مما تبقى من ذلك التراث نزر قليل.
ويمكن حصر مجموعة من التدخلات التي برزت فيها شخصية الشارح في النقط الآتية:
١ - تمتّع الجذامي بقدر وافر من الأخلاق العلمية، تجلّت في التواضع والاعتراف بالقصور في ما يبلغه علمه أمام جهابذة اللغة والأدب.
٢ - الحرص على نسبة كل قول إلى قائله، وكل إزاء ما نسب إليه. ولعلّ من حرصه على نسبة الأقوال إلى أصحابها، إيراده النقل أو الخبر وسنده. ومثال ذلك قوله:
"قال أبو علي: حدثني أبو عمر المطرز عن أبي العباس ثعلب قال: الجنبذة: القبة. عن ابن الأعرابي"(١).