للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد حركة الشروح بالأندلس]

كان لعملية جمع التراث وتدوينه، ولخروج اللغة عن الحد المتواضع عليه، ولانصراف الناس عن حياة البداوة ومتطلباتها … أثر كبير في نشأة الشروح الأدبية واتساع ميدانها، فأصبحت تتجلّى لمؤرخ الأدب ظاهرة جديدة قوامها صناعة شروح أدبية منظمة وافية، تفسر الغريب، وتوضح المعاني، وتعرض الروايات وتقوم الأشعار، كل حسب ثقافته ومنهج "فنجد من الشارحين من تطغى على مصنفاته واحدة أو اثنتان أو ثلاث من مسائل الشرح؛ اللغوية والنحوية والتاريخية والبلاغية والنقدية، فيندفع وراءها يطاردها من كل صوب، مخلّفا سائر جوانب مقتضيات الشرح. وبذلك يتميّز صنيعه بما يشبه أن يكون اتجاهًا يخالف فيه اتجاهات غيره" (١).

كما كان لذلك الاتصال المستمر، والتلاقح المتين بين المشرق وبلاد الأندلس - تمثلت أزهى صوره في تلك الحركة الثقافية التي ربطت بين القطرين - ولوجود الكتاب المشرقي في الأندلس ضمن المقررات التعليمية؛ أثر في توسيع حركة الشروح هناك - وإن كانت بدايتها مبكرة (٢) - لما تميّز به الأندلسيون من حرص على طلب العلم، وتحصيل ما يمكن تحصيله من معرفة تساعد على تعميق ثقافتهم وتوسيعها، "ففضل أهل الأندلس ظاهر، وإن حسن


(١) منهج التبريزي في شروحه، فخر الدين قباوة: ٣٧.
(٢) شرح أبو الحسن مفرج بن مالك النحوي المعروف بالبغل (ت بعد ٢٠٠ هـ) كتاب الكسائي في النحو؛ ولعبد الملك السلمي وفيات قبل (٣ هـ)؛ والخشني (ت ٢٨٦ هـ) كتاب في شرح الحديث، وشرح أبو العباس الطبيخي (ت ٣٥٢ هـ) شعر حبيب وصريع. ينظر: طبقات الزبيدي (٢٢٤، ٢٦٠، ٢٧٣، ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>