لمرحلة الانهيار وتكالب المطامع حول الحكم، ومن ثم القضاء على الدولة نهائيًا.
وعلى الرغم مما آلت إليه الدولة الموحدية فقد اعتبرت إمبراطورية قوية استطاعت فرض سيطرتها على الغرب الإسلامي بحزم وقوة، وعرف خلالها ازدهارًا لم يشهده بعدها، ونرصد هذا الازدهار في المجالات الآتية:
* المطلب الأول *: المجال الديني
لقد قامت دولة الموحدية على أساس ديني، فقد دعا مؤسس الدولة محمد بن تومرت الهرغي الملقب بالمهدي إلى التوحيد، وادعى المهدوية بعد أن رأى تردي عقيدة المرابطين واجتهد في أمور رأى أنهم ابتدعوا فيها، فدعا إلى عقيدة التوحيد، وكتب في ذلك كتاب "الطهارة"، وهو عبارة عن مجموعة أحاديث مختارة، وكتاب "أعز ما يطلب"، وكتاب "العقائد" وهي كتب من تأليفه تشرح العقيدة الموحدية.
وقد سار على نهج المهدي جميع الخلفاء الموحدين، واعتنوا بهذه العقيدة وعلومها أيما عناية، وكانوا قدوة في الاستقامة عليها، فقد اعتنوا بشعائرهم الدينية سواء في سفرهم أو في غزواتهم أو أثناء استقرارهم. وقد اعتنوا بالطلبة والأشياخ وقرّبوهم من مجالسهم، واعتادوا أن يوزّعوا القرآن أجزاء بينهم ليقرؤوا منه يوميًا حصصًا معينة، ودأبوا على الإقبال على القرآن دراسة؛ فدرسوا علم الأصول والناسخ والمنسوخ والقراءات والحديث.
وكان مذهبهم على مذهب الإمام مالك ﵀، ولذلك انكبّوا على دراسة الموطأ وكتب الفقه المالكي، وقد وصف ابن صاحب الصلاة ما كان عليه الأمير أبو يعقوب ملخصًا حال الدولة بقوله: "كان الأمير أبو يعقوب يوسف ﵁ كاملًا فاضلًا، عدلًا ورعًا، جزلًا مستظهرًا للقرآن، عالمًا بناسخه ومنسوخه، قارئًا لنصه، حافظًا له على وقفه وابتدائه، عالمًا بحديث رسول الله ﷺ، وبصحيحه، ومختلفه، وحسنه، وغريبه، وإسناده، متقنًا للعلوم الشرعية والأصولية، متقدمًا في علم الإمام المهدي ﵁، محكمًا لأفانين