لاحظنا إثارته لبعض المسائل النحوية وشرحها، وإيراده لمختلف الآراء التي تجاذبت القضية. وقد توسع الجذامي في شرحها، وأورد الآراء المختلفة حولها، واعتمد على آراء المدرستين البصرية والكوفية، وأشار إلى ما بينهما من اختلاف وذكر بعض أقطابهما: كسيبويه وابن جني، والمبرد، والزجاجي، وغيرهم. وقد أوردنا في هذه الدراسة إحصاء عامًا للنقول التي نقلها عنهم، وإحصاء آخر للمصادر النحوية واللغوية الكثيرة.
كما أننا لمسنا نزوعه الشديد إلى الإسهاب في الإعراب كلما أتيحت له الفرصة لذلك وقد أبان عن مهارة عالية فيه، ويظهر ذلك في إعراب الشعر والجمل من الشواهد، وكذلك من الآيات، والإعراب من المسائل التي كانت من ثوابت كل أبواب كتاب "الانتخاب".
كما تجلّت ثقافته اللغوية من خلال اعتنائه بالألفاظ اللغوية في شرحها وإعرابها، موردًا للمرادفات لها والضد وأساليب استعمالها وأوجه اختلاف لغات القبائل العربية حولها ومعانيها المتعددة، كما يظهر إلمامه بالمعرب والدخيل من الألفاظ، وقد أشار إلى أصله، ومعرفته بما يقع فيها من لحن وخطأ وصحيح جرى عليه لسان العرب، وقد كانت لغته لغة متينة منتقاة من معجم العربية الرصينة، مما جعل لغة كتاب "الانتخاب" تضاهي لغة "أدب الكتاب".
* المطلب الثاني* الثقافة الأدبية
تجلّت هذه الثقافة في كتاب "الانتخاب" بإلمام الجذامي بالأخبار الأدبية المتعلقة بالأدباء وبأشعار العرب وبمناسباتها وبأسماء الشعراء، وبإتمام الأشعار أو تصحيحها، وإحاطته بالأمثال وقصصها، وأصناف المعاني الأدبية. كما أن إحاطته بمجموعة كبيرة من المصادر الأدبية، والتي عرضناها في إطار دراسة المصادر دليل على أنه وقف عليها، وتكون لديه منها رصيد معرفي مهم، وقد حاول أن يستثمرها في الشرح، وقد نجح إلى حدّ كبير في ذلك.
ولأن طبيعة كتاب "أدب الكتاب" الغالبة عليه هي الطبيعة الأدبية، فقد