وهكذا أمكنتنا هذه الرحلة الممتعة مع أحمد بن داود الجذامي وكتابه:"الانتخاب في شرح أدب الكتّاب" على تلمس الأثر الذي ظل صداه يتردد طويلًا، وهي مساهمته في تأسيس وإقامة مدرسة تهتم بالتراث القديم وتعمل على مدارسته وإحيائه، وتعميق جذور اتجاه خاص في الدراسات الأدبية واللغوية بالأندلس، تجلّت أساسًا في مدى الاهتمام الذي أصبح عند علماء أهل الأندلس باللغة والنحو والأدب القديم. وقد قام الأستاذ سعيد الأفغاني بإحصاء التراجم الأندلسية في كتاب "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي، فهاله العدد الذي حصل عليه والذي يصل إلى: ٧١٢ ترجمة، يقول:". . . وهذه نسبة عالية جدًّا أن يبلغ في هذا المصدر علماء الأندلس الصغيرة المساحة، قريبًا من ثلث العالم الإسلامي كله"(١).
وقد تجلّت هذه الظاهرة أيضًا في الشروح الكبيرة التي وضعت حول الأصول الأدبية، كالشروح التي وضعت حول:"الغريب المصنف"، و "الجمل" و "الأشعار الستة" وغيرها كثير. ولم يكن هذا هو الاتجاه الوحيد، بل كانت هناك اتجاهات كثيرة وإن لم تهتم بوضع حواشي وهوامش للأصول المشرقية، فإنها لم تخل من التأثر بها منهجًا وموضوعًا.
هكذا إذن، تمكنّا من معرفة أحمد بن داود الجذامي:
لغويًا متمكنًا، بذل الجهد الكبير للعناية بالألفاظ اللغوية، فشرح غريبها وفسّر مشكلها، مستندًا لأقوال العلماء وآرائهم فكان الشرح ثروة لغوية قيّمة يمكن أن تؤلف معجمًا لغويًا يضاف إلى المعاجم الأخرى التي تحفظ هذا الأثر اللغوي الزاخر.