كما جرت عادات الموحدين في إقامة الضيافات الخليفية الفخمة خلال تنصيب العمال الجدد أو استعراض القبائل المسمى بـ: التمييز أو التشريفات في استقبال الضيوف، وكان العوام ينالون من ذلك نصيبًا من الأعطيات. ولكي تعم الفرحة سائر الشعب يتم الإفراج عن جلّ المعتقلين والمخالفين.
وإن أهم ما يعطي فكرة عن الرخاء الذي كان يعم البلاد ما قرأناه من البركة التي نفح بها الجنود من أنها كانت باهظة؛ وذلك لأن العملة كانت الدينار الذهبي والدرهم الفضي العالي القيمة.
وقد أسلفنا ذكر المصحف العثماني وما احتواه من جوهر نفيس، وهذا دليل على هذا الترف.
وقد كانت القواعد الحربية الكبرى كقاعدة المعمورة مثلًا تتوفر على جميع ما يمكن أن تحتاج إليه الأساطيل، بل إن المواد الغذائية المخزونة فيها قد تفي دون الحاجة إليها، فتحقق الأمن من الجوع، وكان ذلك من مظاهر هذا الرخاء.
وضمن الناس المسكن الكريم بما شيّد من مدن، وضمن الطعام بما قامت به الدولة من مجهودات في الغراسة، وتسريب المياه وجلبها من الأماكن البعيدة. وكانت البركة التي يتقاضاها الجنود سببًا مباشرًا في فاعليتهم في نشر الأمن والسلم في البلاد إلى جانب فاعلية القضاء الذي كان عادلًا في الضرب على أيدي المسيئين والمجرمين، فتحقق الأمن من الخوف.
* المطلب الخامس *: المجال الفكري
لقد عني الموحدون بالمجال الفكري عناية شديدة، وكان الخلفاء أسوة في ذلك؛ فقد عملوا على تقريب المفكرين والأدباء والعلماء منهم، فقد اتسم أبو يعقوب يوسف بالعلم والأدب، وأفاضت الروايات في التنويه بمواهبه العلمية والأدبية، وقد اجتمع حوله ثلاثة من أعظم روّاد التفكير الإسلامي