ابن قتيبة على اختلافها بالشرح والتحليل والإضافة المفيدة، فنجده يشرح القضايا الأدبية بحنكة الأديب، ويتطرّق للإعراب بآليات النحو واللغة المختلفة وآراء المدارس كلها، ويشرح القضايا الفقهية بحكمة الفقيه المطّلع على الأحكام وتعليلاتها وكيفية استنباطها من النصوص الشرعية، ويسهب في تفسير الأحداث التاريخية وإيراد الأخبار المتنوعة بسرد المؤرخ المتتبع للأحداث المطلع عليها والمتقن لتفاصيلها كما لو كان مشاركًا فيها، ويشير إلى أحوال الحيوان والنبات وأحوال الأيام والأوقات وأحوال الجو والفلك بخبرة الطبيعي والفلكي الملتمس، ويناقش المسائل الحسابية والهندسية بخبرة عالم الرياضيات. وإن تناول المعلومات بترتيب المواضيع، وتناول مادة الشرح بالتنظيم البديع لما ينبئ عن مهارة في المنهج، وعن غنى من حيث الرصيد المعرفي.
وهكذا فقد كانت الخاصيتين الأساسيتين لثقافة الجذامي كما تجلّت في شرحه هما: التنوُّع والأصالة. ونعني بالتنوُّع: تنوُّع المعارف، وهي متعددة المشارب، فهي تأخذ من كل علوم العصر من تاريخ وأدب وفقه وحديث ونحو وفلك وطب.
أما الأصالة: فتتمثل في اعتماده على تأصيل كل ما يورده، سواء كانت آراء أو نقولًا إذ إنه يعتمد على المصادر في كل علم، ومنها: القرآن، والحديث، وكتب النحو ككتاب سيبويه، وكتب الأدب العام كالأغاني، وكتب التاريخ وغيرها، وكان أصيلًا في لغته وأسلوبه وقدم شرحًا متميزًا في كل ذلك، وغنيًا من حيث المعلومات والآراء. ولكي نتلمس التنوُّع في ثقافة الشارح نرصد ما يأتي:
* المطلب الأول* الثقافة النحوية واللغوية
هي الخاصية الأساسية في ثقافة الجذامي، فقد علمنا أنه برز في النحو، وأنه عرف بمهارته فيه حتى سمي بالنحوي الماهر، ونلمس هذه الثقافة بجلاء في كتاب "الانتخاب" في اعتناء الجذامي بالقضايا النحوية واللغوية، وقد