للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إدْخَالُ الصِّفَاتِ وَإِخْرَاجُهَا (١)

ط: "هَذَا البَابُ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاع وَلَا يَجُوزُ القِيَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ مِقْيَاسًا كَسَائِرِ المَقَايِسِ، لأَنَّ الفِعْلَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ فِي تَعَدِّيهِ إِلَى وِسَاطَةِ الحَرْفِ إِذَا ضَعُفَ عَنِ التَّعَدِّي إِلَى مَعْمُولِهِ بِنَفْسِهِ، فَتَعَدِّيهِ بِلَا وَاسِطَةٍ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِهِ، وَتَعَدِّيهِ بِوَاسِطَةٍ دَلِيلٌ عَلَى ضُعْفِهِ. فَمَنْ أَجَازَ تَعَدِّيهُ بِنَفْسِهِ تَارَةً، وَتَعَدِّيَهُ بِوَاسِطَةٍ تَارَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الحَالَيْنِ اخْتِلَافٌ، كَانَ كَمَنْ أَجَازَ اجْتِمَاعَ الضِّدِّين.

وَلِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنْكَرَ هَذَا البَابَ قَوْمٌ مِنَ النَّحْوِيِينَ وَاللُّغَويينَ وَدَفَعُوهُ، وَتَكَفَّلُوا أَنْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ مَعْنَى غَيْرَ مَعْنَى الْآخِرَ، فَأَفْضَى بِهِمْ الأمْرُ إلَى تَعَسُّفِ شَدِيدٍ.

إِنْ ذَهَبْنَا إِلَى الكَلَام عَلَى كُلِّ لَفْظَةٍ مِنَ الأَلْفَاظِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا هَذَا البَابُ عَلَى الرَّأْيَيْنِ جَمِيعًا طَالَ ذَلِكَ جِدًّا، وَاحْتَجْنَا إِلَى أَنْ نَتَكَلَّفَ مَا تَكَلَّفَهُ المُنْكِرُونَ لَهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ القَوْلَيْنِ، آخِدًا بِطَرَفٍ مِنْ كِلَا المَذْهَبَيْنِ، يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ نَقَّبَ عَلَى مَعْنَاهُ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى سِوَاهُ.

اعْلَمْ أَنَّ العَرَبَ قَدْ تَحْذِفُ حُرُوفَ الجَرِّ مِنْ أَشْيَاءَ هِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهَا وَتُزِيدُهَا فِي أَشْيَاءَ هِيَ غَنِيَّةٌ عَنْهَا، فَإِذَا حَذَفُوا حَرْفَ الجَرِّ مِمَّا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فَذَلِكَ لأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكْثُرَ اسْتِعْمَالُ الشَّيْءٍ وَيُفْهَمُ الغَرَضُ مِنْهُ وَالمَرَادُ بِهِ، فَيُحْذَفَ الحَرْفُ تَخْفِيفًا، كَمَا يَحْذِفُونَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُنْكِرُونَ عَلَى


(١) أدب الكتّاب: ٥٢٣ بزيادة: "باب".

<<  <  ج: ص:  >  >>