للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا "مِنْ" فَإِنَّهَا الَّتي تَأْتِي لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّفْصِيلِ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: جَاءَنِي القَوْمُ مِنْ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ.

وَ"مِنْ" هَذِهِ وَ"بَيْنَ" يَتَعَاقَبَانِ عَلَى المَعْنَى الوَاحِدِ، تَقُولُ: جَاءَنِي القَوْمُ بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ المَعْنَى بِعَيْنِهِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَنُوبُ مَنَابَ الأَخْبَارِ فِي قَوْلِكَ: القَوْمُ مِنْ صَاحِكِ وَبَاكٍ.

وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: (بسيط)

وَالعِيسُ مِنْ وَاسِجٍ أَوْ عَاسِجٍ خَبَبًا … يَنْجَزْنَ مِنْ جَانِبَيْهَا وَهِيَ تَسْتَلِبُ (١)

وَكَانَ القِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: "فَكُلْ مَا تُعْلَفُ" لأنَّ الأَمْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالمُسْتَقْبَلِ، غَيْرَ أَنَّ العَرَبَ تَسْتَعْمِلُ هَا هُنا الماضِي فَيَقُولُونَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ، وَاشْكُرِ الله عَلَى مَا وَهَبَكَ. وَمِنْهُ قَوْلَ الرَّاجِزِ:

وَإِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أُعْطِينَا (٢)

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا وُضِعَ فِيهِ المَاضِي مَوْضِعَ المُسْتَقْبَلِ حِينَ فُهِم المَعْنَى كَقَوْلِهِ: (كامل)

شَهِدَ الحُطَيْئَةُ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ … أَنَّ الوَلِيدُ أَحَقُّ بِالعُذْرِ (٣)

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: خُذْ مَا قُدِّرَ لَكَ أَنْ تُعْطَاهُ وَكُلِّ مَا قُدِّرَ لَكَ أَنْ تُعْلَفَهُ، لأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مُسْتَقْبَلَيْنِ فَالقَدَرُ قَدْ سَبَقَ بِوُقُوعِهِمَا فِي الوَقْتِ الَّذِي


(١) ديوانه: ٤٧ بتقديم (عاسج) - (تستلب). جمهرة أشعار العرب: ٢/ ٩٤٨ (حافيتها). المخصص: ٧/ ١١٦؛ المحكم والأساس (نجز).
(٢) الشعر لزوج أبي حمزة الضبي الراجز في البيان والتبين: ١/ ١٨٦، ٤/ ٤٧ - ٤٨ وكان قد هجرها حين ولدت بنتا فمر يومًا بخبائها وهي ترقص ابنتها وتقول:
مال لأبي حمزة لا يأتينا … يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا تلد البنينا … تالله ما ذاك في أيدينا
وإنما نأخذ ما أعطينا … ونحن كالأرض لزارعينا
(٣) البيت للحطيئة في ديوانه: ٢٥٩ برواية يوم يلق). تفسير الطبري: ١/ ٤٢٠؛ الأغاني: ٥/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>