العزم على دراسة أحد أقطابه المرموقين، وإن كان قد ظل مغمورًا طوال قرون بسبب ما ناله من الإهمال، إنه أحمد بن داود الجذامي الباغي السرقسطي صاحب كتاب "الانتخاب في شرح أدب الكتّاب" وتوجد نسخته الفريدة المعروفة لحدّ الآن بالخزانة الصبيحية بسلا، وقد تطلب منا الحصول على نسخة منها صعوبات وتعقيدات جمة كادت تدفع بنا إلى اليأس من الحصول عليها، ولكن لم يكن أمامنا إلا الصبر والتحدي والتشبُّث، ولا سيّما وهذه النسخة هي الوحيدة حسب علمنا، تبين لنا ذلك خلال من رصد عام لمختلف الفهارس الوطنية والدولية، ومراسلة العديد من المهتمين والمتخصصين، واستشارة أهل العلم.
ونظرًا لكبر حجمه ووفرة مادته وغناها تهيَّبنا الأمر للوهلة الأولى، ولكن بعد استشارة أستاذنا المشرف، وكذا أهل العلم تحقق الاقتناع بضرورة الإقبال على هذا العمل من أجل إخراج هذا النص المخطوط إلى النور إنقاذًا له وتحقيقًا لتداوله بين الباحثين والمهتمين، وتم الاتفاق على اقتسام المخطوط مناصفة مع صديقتي العزيزة: السيدة السعدية بوخريط، فكان نصيبي بعد اقتسام المخطوط السفر الثاني ليكون موضوع بحثي:"الانتخاب في شرح أدب الكتاب" لأحمد بن داود الجذامي (السفر الثاني) دراسة وتحقيق لنيل شهادة الدكتوراه في إطار وحدة: "دراسات في الأدبيات الأندلسية".
أما الدراسة فقد ارتأيت تقسيمها إلى تمهيد وأربعة أبواب.
أو جزت في التمهيد حركة الشروح الأدبية بالأندلس، والأسباب التي دفعت إلى هذا النوع من التأليف الأدبي، وكذا التلاقح الثقافي بين المشرق وبلاد الأندلس، لإبراز القوة والتفوق في مضاهاة الكتّاب المشرقي بفتح مغالقه وتقريب تناوله.
وجعلت الباب الأول خاصًّا بـ "أدب الكتاب" والشروح التي وضعت عليه، وقسّمته إلى ثلاثة فصول، يضم كل منها مجموعة من المباحث:
بيّنت في الفصل الأول كيف دخل "أدب الكتاب" إلى الأندلس وذكرت الأسانيد التي رُوي بها، وقد بلغت ثلاثة عشر سندًا في كتب الفهارس حسب ما وصل إليه بحثي وجهدي: فهرسة ابن خير الإشبيلي، فهرست القاضي