للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حظي كتاب ابن قتيبة باهتمام كبير من قِبَل الدارسين استطاع بتفرُّده في نوعه، وغزارة مادته وإحكام صنعته، أن يضع بين يدي المهتمين ذخيرة حية، تفصح عن المُشْكَلِ وتوضح الغريب وتقوم السقيم؛ فهو أصل من أصول الأدب، قال عنه ابن خلدون في مقدمته:

"وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصل هذا الفن وأركانه أربعة دواوين وهي: "أدب الكتاب" لابن قتيبة، وكتاب "الكامل" للمبرد، وكتاب "البيان والتبيين" للجاحظ، وكتاب "النوادر" لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها. .. " (١).

ولقد كانت بلاد الأندلس من بين الأمصار التي أدخل إليها "أدب الكتاب" باكرًا (٢)، نذكر ذلك دون أن ننسى أنها لم تنفصل في العمق عن خريطة العالم الإسلامي، بل ظلت القنطرة ممتدة والأواصر متينة، لا سيّما أن اللغة العربية والدين الإسلامي كانا في مقدمة هذه العرى التي لا تنحل. لذلك لا نعجب حين نرى "أدب الكتّاب" يدرس في مساجد العواصم الأندلسية والمغربية ويتناول بالحفظ والرواية والمدارسة.

ومع كل ذلك كان طبيعيًا أن يعتريه نقص في بعض الجوانب، وغموض في بعض الألفاظ وخلط في أخرى، فكان من الطبيعي أن تتجه جهود العلماء واهتماماتهم إلى الاهتمام بشرحه وتوضيح مشكله وتقريب بعيده. ولم تقف حركة الشروح هذه عند قرن معين ولا في قطر معين، وإنما استمرت عبر القرون وفي شتى الأمصار بانتقال الكتاب نفسه وشيوع تداوله.

ولقد كانت هذه الشروح مجالًا لإبراز الكفاءة الأدبية والعلمية للعديد من الشراح؛ فمنهم من شرح الكتاب كاملًا، ومنهم من شرح خطبته فقط، ومنهم من شرح أبيات الكتاب ومنهم من نقده أو لخصه أو علق عليه، وقد بلغ عدد هذه الشروح - في حدود ما اطلعت عليه - عشرين شرحًا، لم يصل إلينا منها


(١) مقدمة ابن خلدون: ٥٥٣ - ٥٥٤.
(٢) قد فصّلنا القول في ذلك في باب أدب الكتّاب في الأندلس، والروايات التي روي بها أو جزناه في أسانيد وقد بلغت ١٣ سندًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>