للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوره ذلك، فسأل عمن يعلم النحو (١). وإنما ذكرت سيرة هذين الإمامين لتعريف كيف كانت همة الفضلاء في طلب العلم واستكمال النقص.

ولما كثر اللحن وفشا، وضع أهل اللسان ميزانًا يضبط به الكلام، فكتبت مصنفات ترتقي بالكاتب والمتكلم إلى ذرى الإحسان، وإن من أحسن ما صنف في هذا الباب كتاب "أدب الكتاب" لابن قتيبة الدينوري ذي القدم الراسخة في علوم العربية والقرآن. ولقد حظي هذا الكتّاب باهتمام كبير من قبل أهل اللغة؛ فعكفوا عليه يدرسونه في حلق العلم بالمساجد والمدارس، وأقبل ناس عليه فشرحوا مقدمته وشواهده وما غمض منه. وممن اهتم بتدريسه وشرحه الأندلسيون، حيث كانت عنايتهم بعلوم العربية كبيرة، ولا يكون العالم عندهم عالمًا بحق حتى تكون قدمه راسخة في دقائق اللغة والنحو، يقول المقري: "والنحو عندهم في نهاية من علو الطبقة، حتى إنهم في هذا العصر فيه كأصحاب عصر الخليل وسيبويه لا يزداد مع هرم الزمان إلا جدة، وهم كثيرو البحث فيه وحفظ مذاهبه كمذاهب الفقه، وكل عالم في أي علم لا يكون متمكنًا من علم النحو بحيث لا تخفى عليه الدقائق، فليس عندهم بمستحق للتمييز، ولا سالم من الازدراء" (٢).

ومن أوسع الشروح الأندلسية لـ "أدب الكتاب" وأحسنها كتاب "الانتخاب في شرح أدب الكتاب" للجذامي السرقسطي (٥٩٨ هـ). ولقد ظل هذا الكتاب مخطوطًا في الخزانات لم توجه عناية الباحثين إلى تحقيقه حتى قيض الله بفضله ومَنّه الأستاذتين الجليلتين الصاحبتين: الدكتورة للا أمينة بالعربي والدكتورة السعدية بوخريط، حيث أخرجتا هذه الدرة إلى عالم المطبوعات.

ولقد استفرغت الأستاذتان وسعًا كبيرًا للحصول على المخطوط، ثم تحقيقه على كثرة نصوصه وشواهده ووفره مادته العلمية.

وإنها لعقبات جلى اعترضت الباحثتين وهما تدرسان نص الكتاب وتعلقان عليه، ولكن الله تعالى سلم، فقد استطاعتا بعلو همتهما، وقوة


(١) ينظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ٢/ ١٦٣.
(٢) نفح الطيب: ١/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>