فَتَأْوِيلُهُ عَلَى هَذَا: لَا فِيهِ خَالٌ وَلَا بَخَلٌ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ لَا هُوَ ذُو خَالٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ خَالٌ إِذَا كَانَ مُتَكَبِّرًا سَمُّوهُ بِخَالِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ نَسْجُ الْيَمَنِ أَي مَنْسُوجٌ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَثُرَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ: مَا هُوَ إِلَّا أَكْلٌ وَشُرْبٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً عَلَى فِعْلٍ مثل: بَطِرٍ وَأَشِرٍ، وَيَكُونُ أَصْلُهُ خَوِلٌ فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَكَمَا قَالُوا: رَجُلٌ مَالٌ، وَيَوْمٌ رَاحٌ، وَكَبْشٌ صَافٌ، فَيَرْتَفِعُ "خَالٌ" عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا هُوَ خَالٌ، وَتُقَدَّرُ فِي الْبُخْلِ حَذْفُ مُضَافٍ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَإِنْ أَجْرَيْتَ الْمَصْدَرَ مَجْرَى الاِسْمِ مُبَالَغَةً كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ تُقَدِّرْ مُضَافًا مَحْذُوفًا، وَقَدْ رُوِيَ: وَلَا بَخِلٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ، فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ لَا مَصْدَرُ.
وَأَمَّا "وَيْلُمِّهِ" فَمَدْحٌ خَرَجَ بِلَفْظِ الذَّمِّ، وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ لَفْظَ الذَّمِّ فِي الْمَدْحِ كَقَوْلِهِ: أَخَذَهُ اللهُ مَا أَشْعَرَهُ، وَلَعَنهُ اللهُ مَا أَجْرَأَهُ، وَكَذَلِكَ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْمَدْحِ فِي الذَّمِّ كَقَوْلِهِمْ لِلْأَحْمَقِ: يَا عَاقِلُ وَلِلْجَاهِلِ: يَا عَالِمُ، ومعناه: يَا أَيُّهَا الْعَاقِلُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَوْ عِنْدَ مَنْ يَظُنُهُ عَاقِلًا.
وَلَهُمْ فِي نَحْو: أَخْزَاهُ اللَّهُ مَا أَشْعَرَهُ، غَرَضَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَنَطَقَ بِاسْتِحْسَانِهِ فَرُبَّمَا أَصَابَهُ بِالْعَيْنِ، فَيَعْدِلُونَ عَنْ مَدْحِهِ إِلَى ذَمِّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَحَصَلَ فِي حَدِّ مَنْ يُذَمُّ وَيُسَبُّ لِكَثْرَةِ حُسَّادِهِ.
وَيُرْوَى: وَيْلِمِّهِ (١) بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا، فَمَنْ كَسَرَ اللَّامَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَيْلَ أُمِّهِ بِنَصْبِ "وَيْلِ" وَإِضَافَتِهِ إِلَى الْأُمِّ، ثُمَّ
(١) أدب الكتاب: ٢٤١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute