للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشّبهة الرّابعة: قالوا: لا يخلو إمّا أن تجيء الأنبياء بما يوافق العقل، أو بما يخالفه، فإن جاءوا بما يخالفه، لم يقبل، وإن جاءوا بما يوافقه فالعقل يغني عنه.

والجواب أن نقول: قد ثبت أنّ كثيرا من النّاس يعجزون عن سياسات الدّنيا، حتّى يحتاجوا إلى متمّم كالحكماء والسّلاطين، فكيف بأمور الإلهيّة والآخرة.

الشّبهة الخامسة: قالوا: قد جاءت الشّرائع بأشياء ينفر منها العقل، وكيف يجوز أن تكون صحيحة؟ من ذلك: إيلام الحيوان.

والجواب: إنّ العقل ينكر إيلام الحيوان بعضه لبعض، فأمّا إذا حكم الخالق بالإيلام لم يبق للعقل اعتراض.

وبيان ذلك أنّ العقل قد عرف حكمة الخالق ، وأنّه لا خلل فيها ولا نقص، فأوجبت عليه هذه المعرفة التّسليم لما خفي عنه، ومتى اشتبه علينا أمر في فرع لم يجز أن نحكم على الأصل بالبطلان.

ثمّ قد ظهرت حكمة ذلك، فإنّا نعلم أنّ الحيوان يفضل على الجماد، ثمّ النّاطق أفضل ممّا ليس بناطق بما أوتي من الفهم والفطنة والقوى النّظريّة والعمليّة، وحاجة هذا النّاطق إلى إبقاء فهمه، ولا يقوم في إبقاء القوى مقام اللّحم شيء، ولا يستطرف تناول القويّ الضّعيف، وما فيه فائدة عظيمة لما قلّت فائدته.

وإنّما خلق الحيوان البهيم للحيوان الكريم، فلو لم يذبح لكثر وضاق به المرعى، ومات، فتأذّى الحيوان الكريم بجيفته، فلم يكن لإيجاده فائدة.

وأمّا ألم الذّبح، فإنّه يسير، وقد قيل: إنّه لا يوجد أصلا؛ لأنّ الحسّاس للألم أغشية الدّماغ؛ لأنّ فيه الأعصاب الحسّاسة، ولذلك إذا أصابها آفة من صرع أو سكتة لم يحسّ الإنسان بألم، فإذا قطعت الأوداج سريعا، لم يصل ألم الجسم إلى محلّ الحسّ، ولهذا قال

<<  <   >  >>