للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله ﷿: ﴿أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ﴾ [يونس: ٢].

الشّبهة الثّانية: قالوا: هلّا أرسل ملكا، فإنّ الملائكة إليه أقرب، ومن الشّكّ فيهم أبعد، والآدميّون يحبّون الرّياسة على جنسهم، فيوقع ذلك شكّا.

وجواب هذا من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّ في قوى الملائكة قلب الجبال والصّخور، فلا يمكن إظهار معجزة تدلّ على صدقهم؛ لأنّ المعجزة ما خرقت العادة، وهذه عادة الملائكة، وإنّما المعجزات الظّاهرة ما ظهرت على يد بشر ضعيف ليكون دليلا على صدقه.

والثّاني: أنّ الجنس إلى الجنس أميل، فصحّ أن يرسل إليهم من جنسهم لئلّا ينفروا، وليعقلوا عنه، ثمّ تخصيص ذلك الجنس بما عجز عنه دليل على صدقه.

والثّالث: أنّه ليس في قوى البشر رؤية الملك، وإنّما الله تعالى يقوّي الأنبياء بما يرزقهم من إدراك الملائكة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً﴾ [الأنعام: ٩]، أي: لينظروا إليه، ويأنسوا به، ويفهموا عنه.

ثمّ قال: ﴿وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ﴾ (٩) [الأنعام: ٩]، أي: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتّى يشكّوا، فلا يدرون: أملك هو أم آدميّ؟

الشّبهة الثّالثة: قالوا: نرى ما يدّعيه الأنبياء من علم الغيب والمعجزات، وما يلقى إليهم من الوحي يظهر جنسه على الكهنة والسّحرة، فلم يبق لنا دليل نفرّق به بين الصّحيح والفاسد.

والجواب أن نقول: إنّ الله بيّن الحجج، ثمّ بثّ الشّبه، وكلّف العقول الفرق، فلا يقدر ساحر أن يحيي ميّتا، ولا أن يخرج من عصا حيّة، وأمّا الكاهن فقد يصيب وقد يخطئ، بخلاف النّبوّة الّتي لا خطأ فيها بوجه.

<<  <   >  >>