ومن الزّهاد من يلبس الثّوب المخرّق، ولا يخيطه، ويترك إصلاح عمامته، وتسريح لحيته؛ ليرى أنّه ما عنده من الدّنيا خير.
وهذا من أبواب الرّياء، فإن كان صادقا في إعراضه عن أغراضه كما قيل لداود الطّائي:
ألا تسرّح لحيتك؟
فقال: إنّي عنها لمشغول، فليعلم أنّه سلك غير الجادّة؛ إذ ليست هذه طريقة الرّسول ﷺ، ولا أصحابه؛ فإنّه كان يسرّح شعره، وينظر في المرآة، ويدّهن، ويتطيّب، وهو أشغل الخلق بالآخرة، وكان أبو بكر وعمر ﵄ يخضبان بالحنّاء والكتم، وهما أخوف الصّحابة وأزهدهم، فمن ادّعى رتبة تزيد على السّنّة، وأفعال الأكابر، لم يلتفت إليه.
[فصل [مراعاة حقوق الأهل]]
ومن الزّهّاد من يلزم الصّمت الدّائم، وينفرد عن مخالطة أهله فيؤذيهم بقبح أخلاقه، وزيادة انقباضه، وينسى قول النّبيّ ﷺ:«إنّ لأهلك عليك حقّا»(١).
وقد كان رسول الله ﷺ يمزح، فيلاعب الأطفال، ويحدّث أزواجه، وسابق عائشة
إلى غير ذلك من الأخلاق اللّطيفة.
فهذا المتزهّد الجاعل زوجته كالأيم، وولده كاليتيم لانفراده عنهم، وقبح أخلاقه؛ لأنّه يرى أنّ ذلك يشغله عن الآخرة، ولا يدري لقلّة علمه أنّ الانبساط إلى الأهل من العون على الآخرة.