عيادة المرضى، وشهود الجنائز، ويقول أصحابه: اعذروا الشّيخ، فهذه عادته، لا كانت عادة تخالف الشّريعة.
ولو احتاج هذا الشّخص إلى القوت، ولم يكن عنده من يشتريه له صبر على الجوع؛ لئلّا يخرج لشراء ذلك بنفسه، فيضيع جاهه لمشيه بين العوامّ، ولو أنّه خرج فاشترى حاجته لانقطعت عنه الشّهرة، ولكن في باطنه حفظ النّاموس، وقد كان رسول الله ﷺ يخرج إلى السّوق، ويشتري حاجته، ويحملها بنفسه.
وكان أبو بكر ﵁ يحمل الثّياب على كتفه، فيبيع ويشتري.
والحديث بإسناد عن محمّد بن القاسم، قال: مرّ عبد الله بن سلام وعلى رأسه حزمة حطب، فقال النّاس: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله؟ قال: أردت أن أدفع به الكبر، وذلك أنّي سمعت رسول الله ﷺ يقول:«لا يدخل الجنّة عبد في قلبه مثقال ذرّة من الكبر»(١).
[فصل [توقير العلم والعلماء]]
قال المصنف: وهذا الّذي ذكرته من الخروج لشراء الحاجة ونحوها من التّبذّل، كان عادة السّلف القدماء، وقد تغيّرت تلك العادة كما تغيّرت الأحوال والملابس، فلا أرى للعالم أن يخرج اليوم لشراء حاجته؛ لأنّ ذلك يكشف نور العلم عند الجهلة، وتعظيمه عندهم مشروع، ومراعاة قلوبهم في مثل هذا يخرج إلى الرّياء، واستعمال ما يوجب الهيبة في القلوب لا يمنع منه.
وليس كلّ ما كان في السّلف ممّا لا يتغيّر به قلوب النّاس يومئذ، ينبغي أن يفعل اليوم.