للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجابته حمير، فدفع إلى رجل من ذي رعين يقال له: معدي كرب، نسرا، وكان بموضع من أرض سبأ يقال له: بلخع، تعبده حمير ومن والاها، فلم يزالوا يعبدونه حتّى هوّدهم ذو نواس، ولم تزل هذه الأصنام تعبد، حتّى بعث الله محمّدا ، فأمر بهدمها.

قال هشام: وحدّثني الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله : «رفعت لي النّار، فرأيت عمرو بن لحيّ قصيرا، أحمر أزرق، يجرّ قصبه في النّار. قلت: من هذا؟ قيل: هذا عمرو بن لحي، أوّل من بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وسيّب السّائبة، وحمى الحامي، وغيّر دين إسماعيل، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان» (١).

قال هشام: وحدّثني أبي وغيره أنّ إسماعيل ، لمّا سكن مكّة، وولد له فيها أولاد، فكثروا، حتّى ملئوا مكّة، ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكّة، ووقعت بينهم الحروب والعداوت، فأخرج بعضهم بعضا، فتفسّحوا في البلاد، والتمسوا المعاش، فكان الّذي حملهم على عبادة الأوثان والحجارة، أنّه كان لا يظعن من مكّة ظاعن إلّا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم؛ تعظيما للحرم، وصيانة لمكّة، فحيثما حلّوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة؛ تيمّنا منهم بها، وصيانة للحرم، وحبّا له، وهم بعد يعظّمون الكعبة، ومكّة، ويحجّون ويعتمرون على أثر إبراهيم وإسماعيل، ثمّ عبدوا ما استحسنوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم.

واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل، يتمسّكون بها، من تعظيم البيت، والطّواف به، والحجّ والعمرة، والوقوف بعرفة والمزدلفة،


(١) ذكره بهذا اللفظ ياقوت الحموي في «معجم البلدان» (٥/ ٣٦٨)، وأخرجه البخاري (٣٥٢١)، ومسلم (٢٨٥٦) من حديث أبي هريرة ، ونحوه، ولفظه: «رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النّار، وكان أوّل من سيّب السوائب».

<<  <   >  >>