للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أين اكتسبته، وأين أنفقته، وعن علمك ماذا عملت فيه» (١).

ومنهم من ينفق في بناء المساجد والقناطر، إلّا أنّه يقصد الرّياء والسّمعة، وبقاء الذّكر، فيكتب اسمه على ما بنى، ولو كان عمله لله ﷿ لاكتفى بعلمه ولو كلّف أن يبني حائطا من غير أن يكتب اسمه عليه لم يفعل.

ومن هذا الجنس إخراجهم الشّمع في رمضان في الأنوار طلبا للسّمعة، ومساجدهم طوال السّنة مظلمة؛ لأنّ إخراجهم قليلا من دهن كلّ ليلة لا يؤثّر في المدح، ما يؤثّر في إخراج شمعة في رمضان، ولقد كان إغناء الفقراء بثمن الشّمع أولى، ولربّما خرجت الأضواء الكثيرة إلى السّرف الممنوع منه، غير أنّ الرّياء يعمل عمله، وقد كان أحمد بن حنبل يخرج إلى المسجد، وفي يده سراج فيضعه ويصلّي.

ومنهم من إذا تصدّق أعطى الفقير والنّاس يرونه، فيجمع بين قصده مدحهم، وبين إذلال الفقير.

وفيهم من يجعل منه الدّنانير الخفاف، فيكون في الدّينار قيراطان ونحو ذلك، وربّما كانت رديئة، فيتصدّق بها بين الجمع مكشوفة ليقال: قد أعطى فلان فلانا دينارا.

وبالعكس من هذا كان جماعة من الصّالحين المتقدّمين، يجعلون في القرطاس الصّغير دينارا ثقيلا يزيد وزنه على دينار ونصف، ويسلّمونه إلى الفقير في سرّ، فإذا رأى قرطاسا صغيرا، ظنّه قطعة، فإذا لمسه وجد تدوير دينار، ففرح، فإذا فتحه، ظنّه قليل الوزن، فإذا رآه ثقيلا، ظنّه يقارب الدّينار، فإذا وزنه فرآه زائدا على الدّينار، اشتدّ فرحه؛ فالثّواب يتضاعف للمعطي عند كلّ مرتبة.

ومنهم من يتصدّق على الأجانب، ويترك برّ الأقارب، وهم أولى.


(١) أخرجه الترمذي (٢٤١٧)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٣٠٠).

<<  <   >  >>