فقال له الفتح: ويحك! مع هذا اللّسان والعقل، ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل؟ فقال: أحبّ الرّياسة. فقال المتوكّل: نحن خليديّة. وقال الفتح: أنا خليديّ. وقال رجل لخالد: يا خالد، ما أنتم لحوم ودماء، فيؤلمكم الضّرب؟ فقال: بلى يؤلمنا، ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم.
وقال داود بن عليّ لمّا قدم بخالد: اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه، فوجدته جالسا غير متمكّن؛ لذهاب لحم إليتيه من الضّرب، وإذا حوله فتيان، فجعلوا يقولون: ضرب بفلان، وفعل بفلان كذا. فقال لهم: لا تتحدّثوا عن غيركم، افعلوا أنتم، حتّى يتحدّث عنكم غيركم.
قال المصنف ﵀: فانظروا إلى الشّيطان، كيف يتلاعب بهؤلاء فيصبرون على شدّة الألم ليحصل لهم الذّكر، ولو صبروا على يسير التّقوى، لحصل لهم الأجر.
والعجب أنّهم يظنّون لحالهم مرتبة وفضيلة مع ارتكاب العظائم.
ومن العوامّ من يعتمد على نافلة، ويضيّع فرائض، مثل أن يحضر المسجد قبل الأذان، ويتنفّل، فإذا صلّى مأموما سابق الإمام، ومنهم من لا يحضر في أوقات الفرائض، ويزاحم ليلة الرّغائب.
ومنهم يتعبّد ويبكي وهو مصرّ على الفواحش لا يتركها، فإن قيل له، قال: سيئة وحسنة والله غفور رحيم.
وجمهورهم يتعبّد برأيه، فيفسد أكثر ممّا يصلح، ورأيت رجلا منهم قد حفظ القرآن وتزهّد، ثمّ جبّ نفسه، وهذا من أفحش الفواحش.
وقد لبّس إبليس على خلق كثير من العوامّ، يحضرون مجالس الذّكر، ويبكون، ويكتفون بذلك؛ ظنّا منهم أنّ المقصود الحضور والبكاء؛ لأنّهم يسمعون فضل الحضور في مجالس الذّكر، ولو علموا أنّ المقصود إنّما هو العمل، وإذا لم يعمل بما يسمع كان