وقوله: غشيني نور الولاية. فهذه حكاية مصنوعة، وحديث فارغ، ومثل هذه الحكاية لا يغترّ بها من شمّ رائحة العلم، إنّما يغترّ بها الجهّال الّذين لا بصيرة لهم.
أخبرنا محمّد بن ناصر، قال: نا السّهلكيّ، قال: سمعت محمّد بن عليّ الواعظ، قال:
وفيما أفادني بعض الصّوفيّة حاكيا عن الجنيد قال: قال أبو موسى الدئيليّ: دخلت على أبي يزيد، فإذا بين يديه ماء واقف يضطرب، فقال لي: تعال. ثمّ قال: إنّ رجلا سألني عن الحياء، فتكلّمت عليه بشيء من علم الحياء، فدار دورانا حتّى صار كذا كما ترى وذاب.
قال الجنيد: وقال أحمد بن حضرويه: بقي منه قطعة كقطعة جوهر، فاتّخذت منه فصّا، فكلّما تكلّمت بكلام القوم أو سمعت من كلام القوم، يذوب ذلك الفصّ، حتّى لم يبق منه شيء.
قلت: وهذه من الحكايات القبيحة الّتي وضعها الجهّال، ولولا أنّ الجهّال يروونها مسندة فيظنّونها شيئا، لكان الإضراب عن ذكرها أولى.
أنبأنا أبو بكر بن حبيب، قال: نا ابن أبي صادق، قال: ثنا ابن باكويه، قال: ثنا أبو حنيفة البغدادي، قال: ثنا عبد العزيز البغدادي، قال: كنت أنظر في حكايات الصّوفيّة، فصعدت يوما السّطح، فسمعت قائلا يقول: ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ﴾ (١٩٦)[الأعراف: ١٩٦]، فالتفتّ، فلم أر شيئا، فطرحت نفسي من السّطح، فوقفت في الهواء.
قال المصنف ﵀: هذا كذب محال لا يشكّ فيه عاقل، فلو قدّرنا صحّته، فإنّ طرح نفسه من السّطح حرام، وظنّه أنّ الله يتولّى من فعل المنهيّ عنه؛ فقد قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]، فكيف يكون صالحا، وهو يخالف ربّه، وعلى تقدير ذلك، فمن أخبره أنّه منهم، وقد تقدّم قول عيسى - صلوات الله عليه - للشّيطان لمّا قال له: ألق نفسك.
قال: إنّ الله يختبر عباده، وليس للعبد أن يختبر ربّه؟