وقد اندسّ في الصّوفيّة أقوام، وتشبّهوا بهم، وشطحوا في الكرامات وادّعائها، وأظهروا للعوامّ مخاريق صادوا بها قلوبهم، وقد روّينا عن الحلّاج أنّه كان يدفن شيئا من الخبز والشّواء والحلوى في موضع من البرّيّة، ويطلع بعض أصحابه على ذلك، فإذا أصبح قال لأصحابه: إن رأيتم أن نخرج على وجه السّياحة. فيقوم ويمشي، والنّاس معه، فإذا جاءوا إلى ذلك المكان، قال له صاحبه الّذي أطلعه على ذلك: نشتهي الآن كذا وكذا.
فيتركهم الحلّاج، وينزوي عنهم إلى ذلك المكان، فيصلّي ركعتين، ويأتيهم بذلك، وكان يمدّ يده إلى الهواء، ويطرح الذّهب في أيدي النّاس ويمخرق، وقد قال له بعض الحاضرين يوما: هذه الدّراهم معروفة، ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك. وما زال يمخرق إلى وقت صلبه.
حدّثنا أبو منصور القزاز، قال: نا أبو بكر بن ثابت، نا عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، ثنا أبو عمر بن حيوية، قال: لمّا أخرج حسين الحلاج للقتل مضيت في جملة الناس، فلم أزل أزاحم حتّى رأيته، فقال لأصحابه: لا يهولنّكم هذا؛ فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما.
وكان اعتقاد الحلاج اعتقادا قبيحا، وقد بيّنّا في أوّل هذا الكتاب شيئا من اعتقاده، وتخليطه، وبيّنّا أنّه قتل بفتوى فقهاء عصره، وقد كان في المتأخّرين من يطلي بدهن الطلق، ويقعد في التّنّور، ويظهر أنّ هذا كرامة.
قال ابن عقيل: وكان ابن الشّبّاس وأبوه قبله لهم طيور سوابق، وأصدقاء، في جميع البلاد، فينزل بهم قوم، فيرفع طائرا في الحال إلى قريتهم، يخبر بخبر من له هناك بنزولهم، ويستعلمه من أحوالهم، وما تجدّد هناك بعدهم، قبل أن يجتمع عليهم، ويستعلم حالهم، فيكتب ذلك إليه الجواب، ثمّ يجتمع بهم، فيخبرهم بتلك الحوادث، ويحدّثهم بأحوالهم