إذ لو كان يفهم الفقه، علم أنّ استعمال السّواك الفضّة لا يجوز، ولكن قلّ علمه فاستعمله، وإن ظنّ أنّه كرامة، والله تعالى لا يكرم بما يمنع من استعماله شرعا، إلّا إن ظهر له ذلك على سبيل الامتحان.
وذكر محمّد بن أبي الفضل الهمدانيّ المؤرّخ قال: حدّثني أبي قال: كان الشرمقانيّ المقرئ يقرأ على ابن العلّاف، وكان يأوي إلى المسجد بدرب الزّعفرانيّ، واتّفق أنّ ابن العلّاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة، وقد نزل إلى دجلة وأخذ منه أوراق الخسّ ممّا يرمي به أصحابه، وجعل يأكله، فشقّ ذلك عليه، وأتى إلى رئيس الرّؤساء، فأخبره بحاله، فتقدّم إلى غلام بالقرب إلى المسجد الّذي يأتي إليه الشرمقانيّ، أن يعمل لبابه مفتاحا، من غير أن يعلمه، ففعل، وتقدّم إليه أن يحمل كلّ يوم ثلاثة أرطال خبزا سميذا، ومعها دجاجة، وحلوى وسكّرا.
ففعل الغلام ذلك، وكان يحمله على الدّوام، فأتى الشرمقانيّ في أوّل يوم، فرأى ذلك مطروحا في القبلة، ورأى الباب مغلقا، فتعجّب، وقال في نفسه: هذا من الجنّة، ويجب كتمانه، وألا أتحدّث به؛ فإنّ من شرط الكرامة كتمانها، وأنشدني:
من أطلعوه على سرّ فباح به … لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
فلمّا استوت حالته، وأخصب جسمه، سأله ابن العلاف عن سبب ذلك، وهو عارف به، وقصد المزاح معه، فأخذ يورّي ولا يصرّح، ويكنّي ولا يفصح، ولم يزل ابن العلّاف يستخبره، حتّى أخبره أنّ الّذي يجده في المسجد كرامة؛ إذ لا طريق لمخلوق عليه.
فقال له ابن العلاف: يجب أن تدعو لابن المسلمة؛ فإنّه هو الّذي فعل ذلك، فنغّص عيشه بإخباره، وبانت عليه شواهد الانكسار.
ولمّا علم العقلاء شدّة تلبيس إبليس، حذّروا من أشياء ظاهرها الكرامة، وخافوا أن