قال: أعلمه أنّي ما رجعت إلّا شوقا إليه قبل أن أصل. فدخل عليه، وأعلمه بكلامه، فأمره بفتح الباب، قال: ثمّ صاح البصريّ: أسرجوا الشّموع، فأسرجت حتّى كانت كأنّها النّهار، ثمّ قال: من مرّ بكم فاضبطوه كائنا من كان.
ودخل هو إلى الموضع الّذي يعرفه، فطلبه فلم يجده، فقال أصحاب الحارث:
هيهات، تريدون تقتلون نبيّ الله، قد رفع إلى السّماء.
قال: فطلبه في شقّ قد هيّأه سربا، فأدخل البصريّ يده في ذلك السّرب، فإذا هو بثوبه، فاجترّه، فأخرجه إلى خارج، ثمّ قال للفرغانيّين: اربطوه. فربطوه، فبينما هم يسيرون به على البريد إذ قال: أتقتلون رجلا يقول ربي الله؟ فقال رجل من الفرغانيّين أولئك العجم: هذه كرامتنا، فهات كرامتك أنت؟
وساروا به حتّى أتوا به عبد الملك، فلمّا سمع به أمر بخشبة فنصبت، فصلبه، وأمر بحربة، وأمر رجلا فطعنه، فلمّا صار إلى ضلع من أضلاعه فانكفأت الحربة عنه، فجعل الناس يصيحون ويقولون: الأنبياء لا يجوز فيهم السّلاح. فلمّا رأى ذلك رجل من المسلمين، تناول الحربة، ثمّ مشى إليه، وأقبل يتحسّس، حتّى وافى بين ضلعين، فطعنه به، فأنفذها، فقتله.
قال الوليد: بلغني أنّ خالد بن يزيد بن معاوية، دخل على عبد الملك بن مروان فقال:
لو حضرتك ما أمرتك بقتله. قال: ولم؟ قال: إنّما كان به المذهب، فلو جوّعته ذهب عنه.
وروى أبو الربيع عن شيخ أدرك القدماء قال: لمّا حمل الحارث على البريد، وجعلت في عنقه جامعة من حديد، وجمعت يده إلى عنقه، فأشرف على عتبة بيت المقدس تلا هذه الآية: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اِهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ [سبأ: ٥٠]، فتقلقلت