للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمصلحة الطّبيب، وكما أنّ للبدن مصالح من الأغذية، ومضارّ، فللنّفس مصالح من العلم والجهل والاعتقاد والعمل، فالشّرع كالطّبيب، فهو أعرف بما يأمر به من المصالح.

هذا مذهب من علّل، وأكثر العلماء قالوا: أفعاله لا تعلّل.

وجواب آخر: وهو أنّه إذا كان غنيّا عن أعمالنا، كان غنيّا عن معرفتنا له، وقد أوجب علينا معرفته، فكذلك أوجب طاعته، فينبغي أن تنظر إلى أمره لا إلى الغرض بأمره.

الشّبهة الثالثة: قالوا: قد ثبت سعة رحمة الله وهي لا تعجز عنّا، فلا وجه لحرمان نفوسنا مرادها.

فالجواب كالجواب الأوّل؛ لأنّ هذا القول يتضمّن اطّراح ما جاء به الرّسل من الوعيد، وتهوين ما شدّدت في التّحذير منه في ذلك، وبالغت في ذكر عقابه.

وممّا يكشف التّلبيس في هذا أنّ الله ﷿ كما وصف نفسه بالرّحمة، وصفها بشديد العقاب، ونحن نرى الأولياء والأنبياء يبتلون بالأمراض والجوع، ويؤخذون بالزّلل، وكيف وقد خافه من قطع له بالنّجاة؟

فالخليل يقول يوم القيامة: نفسي نفسي. والكليم يقول: نفسي نفسي. وهذا عمر يقول: الويل لعمر إن لم يغفر له.

واعلم أنّ من رجا الرّحمة تعرّض لأسبابها؛ فمن أسبابها التّوبة من الزّلل، كما أنّ من رجا أن يحصد زرع، وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ﴾ [البقرة: ٢١٨]، يعني: أنّ الرّجاء بهؤلاء يليق، وأمّا المصرّون على الذّنوب، وهم يرجون الرّحمة، فرجاؤهم بعيد، وقد قال : «الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها،

<<  <   >  >>