للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمنّى على الله الأمانيّ» (١).

وقد قال معروف الكرخيّ: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق.

واعلم أنّه ليس في الأفعال الّتي تصدر من الحق ما يوجب أن يؤمن عقابه، إنّما في أفعاله ما يمنع اليأس من رحمته، وكما لا يحسن اليأس لما يظهر من لطفه في خلقه، لا يحسن الطّمع لما يبدو من أخذانه وانتقامه؛ فإنّ من قطع أشرف عضو بربع دينار، لا يؤمن أن يكون عقابه غدا هكذا.

الشبهة الرابعة: أنّ قوما منهم وقع لهم أنّ المراد رياضة النّفوس، لتتخلّص من أكدارها المردية، فلمّا راضوها مدّة ورأوا تعذّر الصّفاء قالوا: ما لنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر؟ فتركوا العمل.

وكشف هذا التّلبيس أنّهم ظنّوا أنّ المراد قمع ما في البواطن، من الصّفات البشريّة، مثل: قمع الشّهوة، والغضب، وغير ذلك، وليس هذا مراد الشّرع، ولا يتصوّر إزالة ما في الطّبع بالرّياضة، وإنّما خلقت الشّهوات لفائدة؛ إذ لولا شهوة الطّعام هلك الإنسان، ولولا شهوة النّكاح انقطع النّسل.

ولولا الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يؤذيه، وكذلك حبّ المال مركوز في الطّباع؛ لأنّه يوصّل إلى الشّهوات، وإنّما المراد من الرياضة كفّ النّفس عمّا يؤذي من جميع ذلك، وردّها إلى الاعتدال فيه، وقد مدح الله ﷿ من نهى النّفس عن الهوى، وإنّما تنتهي عمّا تطلبه، ولو كان طلبه قد زال عن طبعها، احتاج الإنسان إلى نهيها، وقد قال الله ﷿: ﴿وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، وما قال: والفاقدين الغيظ.


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٢٦٠) من حديث شداد بن أوس ، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» (٤٣٠٥).

<<  <   >  >>