للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رزق يساق إلى العبد لا بالطّلب، فسدّ عليهم باب النّجاة الّذي هو طلب العلم، فصاروا يبغضون اسم العلم كما يبغض الرّافضيّ اسم أبي بكر وعمر.

ويقولون: العلم حجاب، والعلماء محجوبون عن المقصود بالعلم.

فإن أنكر عليهم عالم، قالوا لأتباعهم: هذا موافق لنا في الباطن، وإنّما يظهر ضدّ ما نحن فيه للعوام الضّعاف العقول، فإن جدّ في خلافهم قالوا: هذا أبله مقيّد بقيود الشّريعة محجوب عن المقصود.

ثمّ عملوا على شبهات وقعت لهم، ولو فطنوا لعلموا أنّ عملهم بمقتضى شبهاتهم علم، فقد بطل إنكارهم العلم، وأنا أذكر شبهاتهم، وأكشفها إن شاء الله تعالى، وهي ستّ شبهات:

الشّبهة الأولى: أنّهم قالوا: إذا كانت الأمور مقدّرة في القدم، وأنّ أقواما خصّوا بالسّعادة، وأقواما بالشّقاوة، والسّعيد لا يشقى، والشّقيّ لا يسعد، والأعمال لا تراد لذاتها، بل لاجتلاب السّعادة، ودفع الشّقاوة، وقد سبقنا وجود الأعمال، فلا وجه لإتعاب النّفس في عمل، ولا نكفّها عن ملذوذ؛ لأنّ المكتوب في القدر واقع لا محالة.

والجواب عن هذه الشّبهة، أن يقال لهم: هذه ردّ لجميع الشّرائع، وإبطال لجميع أحكام الكتب، وتبكيت للأنبياء كلّهم فيما جاءوا به؛ لأنّه إذا قال في القرآن: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [الأنعام: ٧٢]، قال القائل: لماذا؟ إن كنت سعيدا فمصيري إلى السّعادة، وإن كنت شقيّا فمصيري إلى الشّقاوة، فما تنفعني إقامة الصلاة؟!

وكذلك إذا قال: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ [الإسراء: ٣٢].

ويقول القائل: لماذا أمنع نفسي ملذوذها، والسّعادة والشّقاوة مقضيّتان قد فرغ منهما، وكان لفرعون أن يقول لموسى حين قال له: ﴿هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى﴾ (١٨) [النازعات: ١٨] مثل هذا

<<  <   >  >>