ثمّ قال: أين غلامي أبو العبّاس؟ فتقدّم إليه، فقال: غنّني الصّوت الّذي كنت تغنّي:
ولمّا بلغ الحير … ة حادي جملي حار
فقلت احطط بها رحلي … ولا تحفل بمن سار
فغنّيته، فتغيّر، وألقى الشّموع من يده، وخرج.
أخبرنا ابن ناصر، ثنا هبة الله بن عبد الله الواسطي، نا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، نا محمّد بن أحمد بن أبي الفوارس، نا الحسين بن أحمد بن عبد الرحمن الصفار، قال: خرج الشّبليّ يوم عيد، وقد حلق أشفار عينيه وحاجبيه وتعصّب بعصابة وهو يقول:
للنّاس فطر وعيد … إنّي فريد وحيد
أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد، نا أحمد بن علي بن ثابت، نا التنوخي، ثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي صابر الدّلّال، قال: وقفت على الشّبليّ في قبّة الشّعراء في جامع المنصور، والناس مجتمعون عليه، فوقف عليه في الحلقة غلام جميل، لم يكن ببغداد في ذلك الوقت أحسن وجها منه، يعرف بابن مسلم، فقال له: تنحّ. فلم يبرح، فقال له الثانية:
تنحّ يا شيطان عنّا. فلم يبرح، فقال له في الثالثة: تنحّ وإلّا والله خرقت كلّ ما عليك. وكانت عليه ثياب في غاية الحسن تساوي جملة كثيرة، فانصرف الفتى، فقال الشبليّ:
طرحوا اللّحم للبزا … ة على ذروتي عدن
ثمّ لاموا البزاة إذ … خلعوا منهم الرّسن
لو أرادوا صلاحنا … ستروا وجهك الحسن
قال ابن عقيل: من قال هذا فقد أخطأ طريق الشّرع؛ لأنّه يقول: ما خلق الله ﷿ هذا الإنسان إلّا للافتتان به، وليس كذلك، وإنّما خلقه للاعتبار والامتحان؛ فإنّ الشّمس خلقت لتضيء لا لتعبد.