فقال له أبو يزيد: لو صمت ثلاث مئة سنة، وقمت ثلاث مئة سنة، وأنت على ما أراك، لا تجد من هذا العلم ذرّة. قال: ولم يا أستاذ؟ قال: لأنّك محجوب بنفسك. فقال له:
أفلهذا دواء حتّى ينكشف هذا الحجاب؟ قال: نعم. ولكنّك لم تقبل. قال: بلى أقبل وأعمل ما تقول. قال أبو يزيد: اذهب السّاعة إلى الحجّام، واحلق رأسك ولحيتك، وانزع عنك هذا اللّباس، وابرز بعباءة، وعلّق في عنقك مخلاة، واملأها جوزا، واجمع حولك صبيانا، وقل بأعلى صوتك: يا صبيان! من يصفعني صفعة، أعطيته جوزة. وادخل إلى سوقك الّذي تعظم فيه.
فقال: يا أبا يزيد! سبحان الله، تقول لي مثل هذا، ويحسن أن أفعل هذا؟ فقال أبو يزيد:
قولك: سبحان الله شرك! قال: وكيف؟ قال: لأنّك عظّمت نفسك فسبّحتها.
فقال: يا أبا يزيد، هذا ليس أقدر عليه، ولا أفعله، ولكن دلّني على غيره حتّى أفعله.
فقال أبو يزيد: ابتدر هذا قبل كلّ شيء، حتّى تسقط جاهك، وتذلّ نفسك، ثمّ بعد ذلك أعرّفك ما يصلح لك.
قال: لا أطيق هذا.
قال: إنّك لا تقبل.
قال المصنف ﵀: قلت: ليس في شرعنا بحمد الله من هذا شيء، بل فيه تحريم ذلك والمنع منه، وقد قال نبيّنا ﵊:«ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه»(١).
ولقد فاتت الجمعة حذيفة، فرأى النّاس راجعين، فاستتر؛ لئلّا يرى بعين النّقص في قصّة الصلاة.
(١) أخرجه الترمذي (٢٢٥٤)، وابن ماجه (٤٠١٦) من حديث حذيفة ﵁ وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٧٩٧).