للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : أعجب من جميع هؤلاء عند أبي حامد، كيف حكى هذه الأشياء، ولم ينكرها؟ وكيف ينكرها، وقد أتى بها في معرض التّعليم؟

وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ، فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته، أخذه وصرفه في الخير، وفرّغ قلبه منه؛ حتّى لا يلتفت إليه، وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه، أمره أن يخرج إلى السّوق للكدّ، ويكلّفه السّؤال والمواظبة على ذلك، وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه، وكنس المواضع القذرة، وملازمة المطبخ، ومواضع الدّخان.

وإن رأى شره الطّعام غالبا عليه، ألزمه الصّوم، وإن رآه عزبا، ولم تنكسر شهوته بالصّوم، أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز، وليلة على الخبز دون الماء، ويمنعه اللّحم رأسا.

قلت: وإنّي لأتعجّب من أبي حامد، كيف يأمر بهذه الأشياء الّتي تخالف الشّريعة، وكيف يحلّ القيام على الرّأس طول اللّيل، فينعكس الدّم إلى وجهه، ويورثه ذلك مرضا شديدا؟

وكيف يحلّ رمي المال في البحر، وقد نهى رسول الله عن إضاعة المال؟ وهل يحلّ سبّ مسلم بلا سبب؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك؟ وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه، وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحجّ؟ وكيف يحلّ السّؤال لمن يقدر أن يكسب؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزاليّ الفقه بالتّصوّف.

أنبأنا ابن ناصر، نا أبو الفضل السهلكي، نا أبو علي عبد الله بن إبراهيم النيسابوري، ثنا أبو الحسن علي بن جهضم، ثنا أبو صالح الدامغاني، عن الحسن بن علي الدامغاني، قال:

كان رجل من أهل بسطام، لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد لا يفارقه، فقال له ذات يوم: يا أستاذ، أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدّهر، وأقوم اللّيل، وقد تركت الشّهوات، ولست أجد في

<<  <   >  >>