الشّيخ أخذها، فقلت له: رأيت كذا وكذا. فقال: أحبّ ألا تبوح به في حياتي. فأجبته إلى ذلك.
قال المصنف ﵀: صحّة مثل هذا تبعد، ولو صحّ لم يخرج هذا الفعل من مخالفة الشّرع؛ لأنّ الشّرع قد أمر بحفظ المال، وهذا إضاعة.
وفي الصّحيح أنّ النّبيّ ﷺ«نهى عن إضاعة المال»(١). ولا تلتفت إلى قول من يزعم أنّ هذا كرامة؛ لأنّ الله ﷿ لا يكرم مخالفا لشرعه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، نا أبو بكر بن ثابت، نا أبو نعيم الحافظ، سمعت علي بن عبد الرحيم، يقول: دخلت على النّوريّ ذات يوم، فرأيت رجليه منتفختين، فسألته عن أمره، فقال: طالبتني نفسي بأكل التّمر، فجعلت أدافعها فتأبى عليّ، فخرجت، فاشتريت، فلما أن أكلت، قلت لها: قومي فصلّي. فأبت عليّ، فقلت: لله عليّ إن قعدت إلى الأرض أربعين يوما، إلّا في التّشهّد. فما قعدت.
قلت: من سمع هذا من الجهّال يقول: ما أحسن هذه المجاهدة. ولا يدري أنّ هذا الفعل لا يحلّ؛ لأنّه حمل على النّفس ما لا يجوز، ومنعها حقّها من الرّاحة.
وقد حكى أبو حامد الغزاليّ في كتاب «الإحياء» قال: كان بعض الشّيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام، فألزم نفسه القيام على رأسه طول اللّيل؛ لتسمح نفسه بالقيام عن طوع، قال: وعالج بعضهم حبّ المال بأن باع جميع ماله، ورماه في البحر إن خاف من تفرقته على النّاس رعونة الجود ورياء البذل.
قال: وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس؛ ليعوّد نفسه الحلم. قال:
وكان آخر يركب البحر في الشّتاء عند اضطراب الموج؛ ليصير شجاعا.
(١) أخرجه البخاري (٢٤٠٨)، ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة بن شعبة ﵁.