أخبرنا محمّد بن عبد الباقي بن أحمد، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمّد بن الفضل الكرماني، نا أبو الحسن سهل بن علي الخشاب، نا أبو نصر عبد الله بن علي السراج، قال:
ذكر عن ابن الكريني - وكان أستاذ الجنيد - أنّه أصابته جنابة، وكان عليه مرقّعة ثخينة، فجاء إلى شاطئ الدّجلة، والبرد شديد، فحزنت نفسه عن الدّخول في الماء؛ لشدّة البرد، فطرح نفسه في الماء مع المرقّعة، ولم يزل يغوص ثمّ خرج، وقال: عقدت ألّا أنزعها عن بدني حتّى تجفّ عليّ. فلم تجفّ عليه شهرا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد القزاز، نا أحمد بن علي بن ثابت، ثنا عبد العزيز بن علي، ثنا علي بن عبد الله الهمذاني، ثنا الخلدي، ثني جنيد، قال: سمعت أبا جعفر بن الكريني يقول: أصبت ليلة جنابة، فاحتجت أن أغتسل، وكانت ليلة باردة، فوجدت في نفسي تأخّرا وتقصيرا، وحدّثتني نفسي، فقلت: واعجبا! أنا أعامل الله تعالى في طول عمري، يجب له عليّ حقّ لا أجد المسارعة إليه، وأجد الوقوف والتّباطؤ والتّأخّر، آليت لا أغتسل إلّا في نهر، وآليت لا اغتسلت إلّا في مرقّعتي هذه، وآليت لا أعصرنّها، وآليت لا أجففنها في شمس. أو كما قال.
قلت: قد سبق في ذكر المرقّعات وصف هذه المرقّعة لابن الكرينيّ، وأنّه وزن أحد كمّيها، فكان فيه أحد عشر رطلا، وإنّما ذكر هذا للنّاس ليبيّن أنّي فعلت الحسن الجميل، وحكوه عنه ليبيّن فضله، وذلك جهل محض؛ لأنّ هذا الرّجل عصى الله ﷾ بما فعل.
وإنّما يعجب هذا الفعل العوامّ الحمقى لا العلماء.
ولا يجوز لأحد أن يعاقب نفسه؛ فقد جمع هذا المسكين لنفسه فنونا من التّعذيب:
إلقاؤها في الماء البارد، وكونه في مرقّعة لا يمكنه الحركة فيها كما يريد، ولعلّه قد يبقى في مغابنه ما لم يصل إليه الماء؛ لكثافة هذه المرقّعة، وبقائها عليه مبتلّة شهرا، وذلك يمنعه لذّة النّوم، وكلّ هذا الفعل خطأ، وإثم، وربّما كان ذلك سببا لمرضه أو قتله.