أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد القزاز، نا أحمد بن علي بن ثابت، نا علي بن المحسن، قال: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: قال لي جعفر الخلدي: وقفت بعرفة ستّا وخمسين وقفة، منها إحدى وعشرون على المذهب.
فقلت لأبي إسحاق: وأيّ شيء أراد بقوله: على المذهب؟
فقال: يصعد إلى قنطرة الياسرية، فينفض كمّيه حتّى يعلم أنّه ليس معه زاد، ولا ماء، ويلبّي ويسير.
قال المصنف ﵀: وهذا مخالف للشّرع؛ فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ [البقرة: ١٩٧]، ورسوله ﷺ قد تزوّد، ولا يمكن أن يقال: إنّ هذا الآدميّ لا يحتاج إلى شيء في مدّة أشهر. فإن احتاج ولم يتزوّد فعطب أثم، وإن سأل النّاس، أو تعرّض لهم، لم يف ذلك بدعوى التّوكّل، وإن ادّعى أنّه يكرم ويرزق بلا سبب، فنظره إلى أنّه مستحقّ لذلك محنة، ولو تبع أمر الشّارع وحمل الزّاد، كان أصلح له على كلّ حال.
وأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمّد بن طاهر قال: أخبرني أبي، عن بعض الصوفية، أنّه قدم عليه من مكّة جماعة من المتصوّفة، فقال لهم: من صحبتم؟ فقالوا: حاجّ اليمن. فقال:
أوه، التّصوّف قد صار إلى هذا، أو التّوكّل قد ذهب! أنتم ما جئتم على الطّريقة والتّصوّف، وإنّما جئتم من مائدة اليمن إلى مائدة الحرم.
ثمّ قال: وحقّ الأحباب والفتيان، لقد كنّا أربعة نفر، مصطحبين في هذا الطّريق، نخرج إلى زيارة قبر النّبيّ ﷺ على التّجريد، ونتعاهد بيننا ألا نلتفت إلى مخلوق، ولا نستند إلى معلوم، فجئنا إلى النّبيّ ﷺ ومكثنا ثلاثة أيّام له يفتح لنا بشيء، فخرجنا، حتّى بلغنا الجحفة، ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب، فبعثوا إلينا بسويق، فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض ويقول: لو كنّا من أهل هذا الشأن لم يفتح لنا بشيء، حتّى ندخل الحرم. فشربناه على الماء،