للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بباب المسجد قد فتح، وإذا بجارية سوداء، معها طبق مغطّى، فلمّا رأتنا قالت: أنتم غرباء أو من أهل القرية؟

فقلت: غرباء. فكشفت الطّبق وإذا بجام فالوذج يفور لحرارته، فقدّمت لنا الطّبق وقالت: كلوا. فقلت له: كل. فقال: لا أفعل. فرفعت الجارية يدها، فصفعته صفعة عظيمة وقالت: والله لئن لم تأكل لأصفعنّك هكذا إلى أن تأكل. فقال: كل معي. فأكلنا حتّى فرغ الجام، وهمّت الجارية بالانصراف، فقلت للجارية: ما خبرك وخبر هذا الجام؟

فقالت: أنا جارية لرئيس هذه القرية، وهو رجل حادّ، طلب منّا منذ ساعة فالوذج، فقمنا نصلحه له، فطال الأمر عليه، فاستعجلنا، فقلنا: نعم! فعاد فاستعجل، فقلنا: نعم، فحلف بالطّلاق، لا أكله هو، ولا أحد ممّن هو في داره، ولا أحد من أهل القرية، ولا يأكله إلّا رجل غريب، فخرجنا نطلب في المساجد رجلا غريبا فلم نجد، إلى أن انتهينا إليكم، ولو لم يأكل هذا الشّيخ، لقتلته ضربا إلى أن يأكل؛ لئلا تطلّق سيّدتي من زوجها.

قال: فقال الشيخ: كيف تراه إذا أراد أن يرزق؟

قال المصنف : ربّما سمع هذا جاهل فاعتقده كرامة، وما فعله الرّجل من أقبح القبيح؛ فإنّه يجرّب على الله، ويتألّى عليه، ويحمل على نفسه من الجوع ما لا يجوز له، وهذا لا يجوز له، ولا ينكر أن يكون لطف به، إلّا أنّه فعل ضدّ الصّواب، وربّما كان إنفاذ ذلك رديئا؛ لأنّه يعتقد أنّه قد أكرم، وأنّ ذلك منزلة.

وكذلك حكاية حاتم الّتي قبلها؛ فإنّها إن صحّت دلّت على جهل بالعلم، وفعل لما لا يجوز؛ لأنّه ظنّ أنّ التّوكّل إنّما هو ترك التّسبّب، فلو علم بمقتضى واقعته لم يمضغ الطّعام، ولم يبلعه؛ فإنّه تسبّب، وهل هذا إلّا من تلاعب إبليس بالجهّال؛ لقلّة علمهم بالشّرع، ثمّ أيّ قربة في هذا الفعل البارد، وما أظنّ غالبه إلّا من الماليخوليا؟

<<  <   >  >>