للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عينيه به، وظنّه أنّ ذلك يقرّبه إلى الله تعالى، وإنّما يتقرّب إلى الله تعالى بما أمر به وشرعه، لا بما نهى وكفّ عنه.

فلو أنّ إنسانا قال: أريد أن أضرب نفسي بعصا؛ لأنّها عصت، أتقرّب بذلك إلى الله.

كان عاصيا.

وسرور هذا الرّجل بهذا خطأ قبيح؛ لأنّه إنّما يفرح بالبلاء إذا كان بغير تسبّب منه لنفسه؛ فلو أنّ إنسانا كسر رجل نفسه ثمّ فرح بهذه المصيبة، كان نهاية في الحماقة، ثمّ تركه السّؤال وقت الاضطرار، وحمله على النّفس في شدّة المجاعة، حتّى سالت عينه، ثمّ يسمّي هذا تورّعا، حماقات زهّاد، أكبرها الجهل والبعد عن العلم.

وقد أخبرنا محمّد بن أبي القاسم، نا حمد بن أحمد، نا أبو نعيم الحافظ، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمّد بن العباس بن أيوب الأصفهاني، ثنا عبد الرحمن بن يونس الرقي، ثنا مطرف بن مازن، عن سفيان الثوري، قال: من جاع فلم يسأل حتّى مات دخل النّار.

قال المصنف : فانظر إلى كلام الفقهاء، ما أحسنه!

ووجهه أنّ الله تعالى قد جعل للجائع مكنة التّسبّب، فإذا عدم الأسباب الظّاهرة، فله قدرة السّؤال الّتي هي كسب مثله في تلك الحال، فإذا تركه، فقد فرّط في حقّ نفسه، الّتي هي وديعة عنده، فاستحقّ العقاب.

وقد روي لنا في ذهاب عين هذا الرّجل، ما هو أظرف ممّا ذكرنا، فأخبرنا محمّد بن عبد الباقي بن أحمد، ثنا حمد بن أحمد الحداد، ثنا أبو نعيم، قال: سمعت أبا أحمد القلانسيّ، يقول: قال أبو علي الروذباري، يحكي عن أبي بكر الزّقّاق، قال: استضفت حيّا من العرب، فرأيت جارية حسناء، فنظرت إليها، فقلعت عيني الّتي نظرت بها إليها، وقلت:

مثلك من نظر لله.

<<  <   >  >>