حدّثني أبو بكر الزّقّاق، قال: خرجت في وسط السّنة إلى مكّة، وأنا حدث السّنّ، في وسطي نصف جلّ (١)، وعلى كتفي نصف جلّ، فرمدت عيني في الطّريق، وكنت أمسح دموعي بالجلّ، فأقرح الجلّ الموضع، فكان يخرج الدّم مع الدّموع، فمن شدّة الإرادة وقوّة سروري بحالي، لم أفرّق بين الدّموع والدّم، وذهبت عيني في تلك الحجّة.
وكانت الشّمس إذا أثرت في بدني، قبّلت يدي ووضعتها على عيني سرورا منّي بالبلاء.
أخبرنا محمّد بن أبي القاسم، نا حمد بن أحمد الحداد، نا أبو نعيم الحافظ، قال:
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران، يقول: سمعت محمّد بن داود الرقي، يقول:
سمعت أبا بكر الزقاق، يقول: كان سبب ذهاب بصري، أنّي خرجت في وسط السّنة أريد مكّة، وفي وسطي نصف جلّ، وعلى كتفي نصف جلّ، فرمدت إحدى عينيّ، فمسحت الدّموع بالجلّ، فقرح المكان، وكانت الدّموع والدّم تسيلان من عيني.
أخبرنا محمّد بن أبي القاسم، نا أبو محمّد التميمي، نا أبو عبد الرحمن السلمي، قال:
سمعت أبا بكر الرّازي يقول: قلت لأبي بكر الزّقّاق، وكان بفرد عين: ما سبب ذهاب عينك؟
قال: كنت أدخل البادية على التّوكّل، فجعلت على نفسي ألا آكل لأهل المنازل شيئا تورّعا، فسالت إحدى عينيّ على خدّي من الجوع.
قال المصنف ﵀: إذا سمع مبتدئ حالة هذا الرّجل، ظنّ أنّ هذه مجاهدات.
وقد جمعت هذه السفرة الّتي افتخر فيها، فنونا من المعاصي والمخالفات، منها:
خروجه في تنصيف السّنة على الوحدة، ومشيه بلا زاد ولا راحلة، ولباسه الجلّ، ومسح
(١) الجلّ: هو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه.