للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى لبسه الدّرع في غزواته كلّها وقت الحرب، حتّى قال في غزوة الخندق: «ليس لنبيّ أن يلبس لامة حربه، ثمّ ينزعها من غير قتال» (١).

وعلى حالة أبي بكر إذ سدّ خروق الغار؛ اتّقاء أذى الحيّات.

وهيهات أن تعلو مرتبة هذا المخالف للشّرع على مرتبة النّبيّين والصّدّيقين، بما يخايل له ظنّه الفاسد، من أنّ هذا الفعل هو التّوكّل.

وقد أخبرنا عنه أبو منصور القزاز، نا أبو بكر الخطيب، نا إسماعيل بن أحمد الحيري، ثنا محمّد بن الحسين السلمي، قال: سمعت مؤمّلا المغازليّ يقول: كنت أصحب محمّد بن السّمين، فسافرت معه ما بين تكريت والموصل، فبينا نحن في برّيّة نسير، إذ زأر السّبع من قريب منّا، فعجزت وتغيّرت وظهر ذلك على وجهي وهممت أن أبادر فأفرّ، فضبطني وقال: يا مؤمّل، التّوكّل هاهنا ليس في المسجد الجامع.

قال المصنف : قلت: لا شكّ في أنّ التّوكّل يظهر أثره في المتوكّل عند الشّدائد، ولكن ليس من شروطه الاستسلام للسّبع؛ فإنّه لا يجوز.

أخبرنا عمر بن ظفر، نا أبو السراج، نا عبد العزيز بن علي الأزجي، نا ابن جهضم، ثنا إبراهيم بن أحمد بن علي العطار، قال له الخوّاص: حدّثني بعض المشايخ، أنّه قيل لعلي الرازي: ما لنا لا نراك مع أبي طالب الجرجاني؟ قال: خرجنا في سياحة، فنمنا في موضع فيه سباع، فلمّا نظر إليّ رآني لم أنم طردني، وقال: لا تصحبني بعد هذا اليوم.

قال المصنف : لقد تعدّى هذا الرّجل، إذ أراد من صاحبه أن يغيّر ما طبع عليه، وليس ذلك في قدرته، ولا في وسعه، ولا يطالبه بمثله الشّرع، وما قدر على هذه الحالة موسى حين هرب من الحيّة، فهذا كلّه مبناه على الجهل.


(١) أخرجه أحمد (١٤٣٧٣) من حديث جابر ، وضعّفه الألبانيّ في «ضعيف الجامع» (٢٠٧٥).

<<  <   >  >>